مُفَارَقَةِ مَجْلِسِ حُكْمِهِ (حَكَمْت بِكَذَا) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ (فَإِنْ شَهِدَ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ (آخَرَ بِحُكْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي يُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُرَّ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ نَفْعًا وَلَمْ يَدْفَعْ ضَرَرًا، وَيُفَارِقُ الْمُرْضِعَةَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِثْبَاتِ مَعَ أَنَّ شَهَادَتَهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَزْكِيَةَ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فِيهِمَا، وَخَرَجَ بِحُكْمِهِ شَهَادَتُهُ بِإِقْرَارٍ صَدَرَ فِي مَجْلِسِهِ فَيُقْبَلُ جَزْمًا (أَوْ) شَهِدَ (بِحُكْمِ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ شَهِدَتْ الْمُرْضِعَةُ بِرَضَاعِ مَحْرَمٍ وَلَمْ تَذْكُرْ فِعْلَهَا، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ نَفْسَهُ فَيَجِبُ الْبَيَانُ لِيَزُولَ اللَّبْسَ وَلَا أَثَرَ لِاحْتِمَالِ الْمُبْطِلِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْنِي حُكْمَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ جَائِزُ الْحُكْمِ لِإِيهَامِ حَذْفِهِ حُكْمَ حَاكِمٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ كَحَاكِمِ الشُّرْطَةِ مَثَلًا (يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبْلَ عَزْلِهِ حَكَمْت بِكَذَا) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ حِينَئِذٍ حَتَّى لَوْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ نِسَاءُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قُبِلَ، وَمَحَلُّهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي مَحْصُورَاتٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ مُجَازِفٌ وَفِي قَاضٍ مُجْتَهِدٍ وَلَوْ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ قَالَ وَلَا رَيْبَ عِنْدِي فِي عَدَمِ نُفُوذِهِ مِنْ فَاسِقٍ وَجَاهِلٍ، وَلَا بُدَّ فِي قَاضِي الضَّرُورَةِ مِنْ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ، فَلَوْ قَالَ حَكَمْت بِحُجَّةٍ أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ شَرْعًا وَامْتَنَعَ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ حُكْمُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظُنَّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَنَدٍ مُسْتَنَدًا، وَأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ بِشَاهِدَيْنِ فَقَالَا إنَّمَا شَهِدْنَا بِطَلَاقٍ مُقَيَّدٍ بِصِفَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ وَقَالَ بَلْ أَطْلَقْتُمَا قُبِلَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ (فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) وَهُوَ خَارِجُ عَمَلِهِ لَا مَجْلِسِ حُكْمِهِ، وَدَعْوَى مَنْ أَرَادَ الثَّانِي أَرَادَ بِهِ أَنَّ مُوَلِّيَهُ قَيَّدَ وِلَايَتَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ (فَكَمَعْزُولٍ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ فَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ بِهِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ فَكَمَعْزُولٍ عَدَمَ نُفُوذِ تَصَرُّفٍ مِنْهُ اسْتَبَاحَهُ بِالْوِلَايَةِ كَإِيجَارِ وَقْفٍ نَظَرُهُ لِلْقَاضِي وَبَيْعِ مَالِ يَتِيمٍ وَتَقْرِيرٍ فِي وَظِيفَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَتَزْوِيجِ مَنْ لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ، نَعَمْ لَوْ اسْتَخْلَفَ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ مَنْ يَحْكُمُ بِهَا بَعْدَ وُصُولِهِ لَهَا صَحَّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إذْ الِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِحُكْمٍ حَتَّى يَمْتَنِعَ بَلْ مُجَرَّدُ إذْنٍ فَهُوَ كَمَحْرَمٍ، وَكُلُّ مَنْ يُزَوِّجُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَوْ أَطْلَقَ وَمُنَازَعَةُ بَعْضِهِمْ.
فِيهِ بِأَنَّهُ إذْنٌ اسْتَفَادَهُ بِالْوِلَايَةِ بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فَكَيْفَ يُعْتَدُّ مِنْهُ بِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ الْمَحْرَمُ لَيْسَ مَمْنُوعًا إلَّا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ وَالْقَاضِي قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِإِذْنٍ وَلَا حُكْمٍ، وَإِنَّمَا قِيَاسُهُ أَنْ يُقَيَّدَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بِبَلَدٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُقَلِّدِ وَالْفَاسِقِ مَعَ وُجُودِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ الْمُرْضِعَةَ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ حَيْثُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّ شَهَادَتَهَا إلَخْ وَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِرْضَاعِ حُصُولُ اللَّبَنِ فِي جَوْفِ الطِّفْلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَهَذَا الْمَعْنَى يُحْصَلُ بِإِرْضَاعِ الْفَاسِقَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَذْكُرْ فِعْلَهَا) لَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ لِتَتِمَّ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْمُرْضِعَةُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا وَإِنْ ذَكَرَتْ فِعْلِ نَفْسِهَا عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظُنَّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَنَدٍ مُسْتَنَدًا) أَيْ لَمْ يَنْهَ مُوَلِّيَهُ عَنْ طَلَبِ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ حَجّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَنْ أَرَادَ الثَّانِيَ) هُوَ قَوْلُهُ لَا مَجْلِسَ حِكْمَةٍ (قَوْلُهُ: قَيَّدَ وِلَايَتَهُ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ الْمُعْتَادِ نَفَذَ حُكْمُهُ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ كَمَسْجِدٍ مَثَلًا، وَمَحَلُّ عَمَلِهِ مَا نَصَّ مُوَلِّيهِ عَلَيْهِ أَوْ اُعْتِيدَ أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمَجْلِسِ الَّذِي وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ فِيهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ اسْتَخْلَفَ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَرْسَلَ لِمَنْ يَحْكُمُ عَنْهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ بَعْدَ وُصُولِهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْقَاضِي الْمُسْتَخْلِفِ لَا لِمَنْ كَمَا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ تَشْبِيهُهُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مِنْ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ) قَدْ مَرَّ هَذَا بِمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: قَيَّدَ وِلَايَتَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ) وَمِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ ثَوَابِ الْقَاضِي الْأَصِيلِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَهُمْ خَارِجَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْمُسَمَّى بِالْمَحْكَمَةِ كَمَعْزُولَيْنِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ اسْتَخْلَفَ إلَخْ) قَدْ مَرَّ هَذَا بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ بَعْدَ وُصُولِهِ) أَيْ الْخَلِيفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute