للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَيْسَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيهِ التَّوْكِيلُ وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهُ الْإِذْنَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ فِي غَيْرِهَا مَرْدُودَةٌ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمَحْرَمِ فِي النِّكَاحِ مُخْتَلَّةٌ مُطْلَقًا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ وَصَحَّ إذْنُهُ الْمَذْكُورُ، فَكَذَلِكَ الْقَاضِي يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْخَارِجِ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَصَحَّ إذْنُهُ فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.

(وَلَوْ) (ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ) وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ الْإِخْبَارُ، فَتَسْمِيَتُهُ دَعْوَى مَجَازٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ حُضُورِهِ (أَنَّهُ أَخَذَ مَا لَهُ بِرِشْوَةٍ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ كَمَا بِأَصْلِهِ وَهِيَ مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالرِّشْوَةِ لَازِمُهَا: أَيْ بِبَاطِلٍ، فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ أَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ أَوْلَى لِإِيهَامِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ أَنَّ الرِّشْوَةَ سَبَبٌ مُغَايِرٌ لِلْأَخْذِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا) وَأَعْطَاهُ لِفُلَانٍ وَمَذْهَبُهُ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا (أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا) لِتَعَذُّرِ إثْبَاتِ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُضُورِهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا يَحْضُرَ، فَإِذَا حَضَرَ وَكِيلُهُ اُسْتُؤْنِفَتْ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا يَجِبُ إحْضَارُهُ إذَا ذَكَرَ شَيْئًا يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ شَرْعًا كَمَا مَثَّلَهُ، فَلَوْ طَلَبَ إحْضَارَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا لَمْ يَجِبْ إلَيْهِ، إذْ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ ابْتِذَالَهُ بِالْخُصُومَةِ (وَإِنْ قَالَ حَكَمَ بِعَبْدَيْنِ) أَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَا أُطَالِبُهُ بِالْغُرْمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْتَاجُ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا سُمِعَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الدَّعَاوَى الْمُلْزِمَةِ إذْ لَيْسَتْ بِنَفْسِ الْحَقِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا التَّدْرِيجُ إلَى إلْزَامِ الْخَصْمِ (وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَا أُحْضِرَ) لِيُجِيبَ عَنْ دَعْوَاهُ (وَقِيلَ لَا) يَحْضُرُ (حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ الشَّرْعِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ وُقُوعُهَا عَلَى وَفْقِ الصِّحَّةِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ

صِيَانَةً لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ

عَنْ الْبِذْلَةِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ وَإِنْ سُلِّمَ لَا يَمْنَعُ إحْضَارَهُ لِتَبَيُّنِ الْحَالِ (فَإِنْ حَضَرَ) بَعْدَ الْبَيِّنَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ (وَأَنْكَرَ) بِأَنْ قَالَ لَمْ أَحْكُمْ عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ لَمْ أَحْكُمْ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ (صَدَقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ) صِيَانَةً لَهُ عَنْ الِابْتِذَالِ (قُلْت: الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا (بِيَمِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ خَبَرِ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ أَمِينٌ وَهُوَ كَالْوَدِيعِ لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ عُلِمَ بَقَاءُ أَهْلِيَّتِهِ إلَى عَزْلِهِ، أَمَّا مَنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ وَجَوْرُهُ وَعُلِمَتْ خِيَانَتُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَطْعًا، وَأَمَّا أُمَنَاؤُهُ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إذَا حُوسِبَ بَعْضُهُمْ فَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَالَ أَخَذْت هَذَا الْمَالَ أُجْرَةً عَلَى عَمَلِي وَصَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ لَمْ يَنْفَعْهُ تَصْدِيقُهُ وَيُسْتَرَدُّ مِنْهُ مَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ.

(وَلَوْ) (اُدُّعِيَ عَلَى قَاضٍ) مُتَوَلٍّ (جَوْرٌ فِي حُكْمٍ) (لَمْ تُسْمَعْ) الدَّعْوَى عَلَيْهِ لِأَجْلِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَاهِدٍ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا وَأَرَادَ تَغْرِيمَهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمِينُ الشَّرْعِ (وَتُشْتَرَطُ) لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ (بَيِّنَةٌ) يُحْضِرُهَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُدَّعِي عِنْدَهُ لِتُخْبِرَهُ حَتَّى يُحْضِرَهُ إذْ لَوْ فُتِحَ بَابُ تَحْلِيفِهِمَا لِكُلِّ مُدَّعٍ لَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ (وَإِنْ) ادَّعَى عَلَى مُتَوَلٍّ بِشَيْءٍ (لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ) كَغَصْبٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ (حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِيفَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ) كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعِيَّةِ يُحَكِّمَانِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ: هَذَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِمَا لَا يَقْدَحُ فِيهِ وَلَا يُخِلُّ بِمَنْصِبِهِ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى قَطْعًا وَلَا يَحْلِفُ وَلَا طَرِيقَ لِلْمُدَّعِي حِينَئِذٍ إلَّا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِالْمُحْرِمِ

(قَوْلُهُ: وَأَعْطَاهُ) عَطْفٌ عَلَى أَخَذَ (قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ) أَيْ وَقَالَ فِي دَعْوَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي وَإِلَّا قَضَى بِهَا بِلَا يَمِينٍ (قَوْلُهُ مَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مَعْلُومٌ دَفَعَ لَهُ وَإِلَّا فَلِبَيْتِ الْمَالِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُخِلُّ بِمَنْصِبِهِ) كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِغَيْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوْكِيلِ

(قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَدْفَعُ الْأَوْلَوِيَّةَ وَالْإِيهَامُ قَائِمٌ، وَغَايَةُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لَا دَافِعٌ لِلْإِيهَامِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا حَضَرَ وَكِيلُهُ) لَعَلَّهُ سَقَطَ لَفْظُ أَوْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَكِيلُهُ: أَيْ فَإِذَا حَضَرَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ

(قَوْلُهُ: مُتَوَلٍّ) أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا يَأْتِي أَنَّ التَّزْوِيرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>