(وَيَتَّخِذُ) نَدْبًا (دِرَّةً) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (لِلتَّأْدِيبِ) اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، نَعَمْ مَنَعَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ نُوَّابَهُ مِنْ ضَرْبِ الْمَسْتُورِينَ بِهَا لِأَنَّهُ صَارَ مِمَّا يُعَيَّرُ بِهِ ذُرِّيَّةُ الْمَضْرُوبِ وَأَقَارِبُهُ، بِخِلَافِ الْأَرْذَالِ وَلَهُ التَّأْدِيبُ بِالسَّوْطِ (وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَتَعْزِيرٍ) كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَارٍ اشْتَرَاهَا بِمَكَّةَ وَجَعَلَهَا سِجْنًا وَإِذَا هَرَبَ الْمَحْبُوسُ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِيَ طَلَبُهُ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ هَرَبِهِ فَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِعْسَارٍ لَمْ يُعَزِّرْهُ، وَإِلَّا عَزَّرَهُ، وَلَوْ أَرَادَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ مُلَازَمَتَهُ بَدَلًا عَنْ الْحَبْسِ مُكِّنَ مَا لَمْ يَقُلْ تَشُقُّ عَلَيَّ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ مَعَ مُلَازَمَتِهِ وَيَخْتَرْ الْحَبْسَ فَيُجِيبُهُ، وَأُجْرَةُ السِّجْنِ عَلَى الْمَسْجُونِ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ الَّذِي شَغَلَهُ، وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صَرْفُ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ مَجْلِسِهِ) الَّذِي يَقْضِي فِيهِ (فَسِيحًا) لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ الْخُصُومُ (بَارِزًا) أَيْ ظَاهِرًا لِيَعْرِفَهُ كُلُّ أَحَدٍ،
وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَاجِبٍ لَا مَعَ زَحْمَةٍ أَوْ فِي خَلْوَةٍ (مَصُونًا مِنْ أَذَى) نَحْوِ (حَرٍّ وَبَرْدٍ) وَرِيحٍ كَرِيهٍ وَغُبَارٍ وَدُخَانٍ (لَائِقًا بِالْوَقْتِ) أَيْ الْفَصْلِ كَمَهَبِّ الرِّيحِ وَمَوْضِعِ الْمَاءِ فِي الصَّيْفِ وَالسَّكَنِ فِي الشِّتَاءِ وَالْخُضْرَةِ فِي الرَّبِيعِ، وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا نَفْسَ الْمَصُونِ كَمَا صَنَعَهُ أَصْلُهُ بَلْ غَيَّرَهُ كَأَنَّهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَغَايُرِهِمَا كَانَ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الْمُؤْذِي وَالثَّانِي لِتَحْصِيلِ التَّنَزُّهِ وَدَفْعِ الْمُكَدِّرِ عَنْ النَّفْسِ، فَانْدَفَعَ دَعْوَى أَنَّ عِبَارَةَ أَصْلِهِ أَحْسَنُ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ وَحَصَلَ زِحَامٌ اتَّخَذَ مَجَالِسَ بِعَدَدِ الْأَجْنَاسِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ اُتُّخِذَتْ ثَلَاثَةُ مَجَالِسَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاضِي (وَ) لَائِقًا بِوَظِيفَةِ (الْقَضَاءِ) الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْمَنَاصِبِ وَأَجَلُّ الْمَرَاتِبِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْجَلَالَةِ وَالْأُبَّهَةِ، فَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ دَاعِيًا بِالْعِصْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ مُتَعَمِّمًا مُتَطَيْلِسًا عَلَى مَحَلٍّ عَالٍ بِهِ فُرُشٌ وَوِسَادَةٌ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِلْحَاجَةِ إلَى قُوَّةِ الرَّهْبَةِ وَالْهَيْبَةِ، وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ جُلُوسُهُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْهَيْبَةِ (لَا مَسْجِدًا) أَيْ لَا يَتَّخِذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ عَادَةً، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِهِ الْمَجَانِينَ وَالصِّغَارَ وَالْحُيَّضَ وَالْكُفَّارَ وَإِقَامَةُ الْحَدِّ فِيهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، نَعَمْ إنْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورِهِ فِيهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يُكْرَهْ فَصْلُهَا، وَكَذَا إنْ احْتَاجَ لِجُلُوسِهِ فِيهِ لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ جَلَسَ لَهُ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ عَدَمِهَا مُنِعَ الْخُصُومُ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ بِالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهَا وَيَقْعُدُونَ خَارِجَهُ، وَيَنْصِبُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَا يَكْفِي، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ قِيَاسَ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ هُنَا الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُجَرَّدٌ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ، وَعَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَرْجِمِ وَالْمُسَمِّعِ بِأَنَّ الْمُسَمِّعَ لَوْ غَيَّرَ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي عِنْدَ تَبْلِيغِهِ لِلْخَصْمِ سَمِعَهُ الْقَاضِي وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِ فَإِنَّهُ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ اللُّغَةَ الَّتِي يُتَرْجِمُ بِهَا فَرُبَّمَا غَيَّرَ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِيَ طَلَبُهُ) أَيْ وَلَا السَّجَّانَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا عَزَّرَهُ) وَمِثْلُهُ فِي التَّعْزِيرِ مَا لَوْ طَلَبَهُ ابْتِدَاءً لِأَصْلِ الدَّعْوَى فَامْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صَرْفُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ أُجْرَةِ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَاجِبٍ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي مِنْ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يُمَكِّنُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ عَامَّةَ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُمَكِّنُ عُظَمَاءَهُمْ أَوْ مَنْ يَدْفَعُ لَهُ رِشْوَةً لِلتَّمْكِينِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ (قَوْلُهُ: مَعَ الْخُصُومِ) أَيْ وُجُوبًا
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صَرْفُ ذَلِكَ) أَيْ أُجْرَةِ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْحُرْمَةِ) الضَّمِيرُ فِي يَكُونُ لِلْقَاضِي بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute