للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ كَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَيَرْزُقُ مِنْهُمْ أَيْضًا كُلَّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَمِيرِ وَالْمُفْتِي وَالْمُحْتَسِبِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ لِلصَّلَاةِ وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الْكَاتِبِ حُرًّا ذَكَرًا (مُسْلِمًا عَدْلًا) لِتُؤْمَنَ خِيَانَتُهُ (عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ) وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يَتَرَادَفَانِ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِهِمَا عَلَى مُطْلَقِ الْمَكْتُوبِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْحُكْمِيَّةِ لِإِفْسَادِ الْجَاهِلِ بِذَلِكَ مَا يَكْتُبُهُ (وَيُسْتَحَبُّ) فِيهِ (فِقْهٌ) فِيمَا يَكْتُبُهُ: أَيْ زِيَادَتُهُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي مَعْرِفَةِ الشُّرُوطِ وَمَوَاقِعِ اللَّفْظِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الْمُوهِمِ وَالْمُحْتَمَلِ لِئَلَّا يُؤْتَى مِنْ الْجَهْلِ وَمَنْ اشْتَرَطَ فِقْهَهُ أَرَادَ مَعْرِفَتَهُ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ وَعِفَّةٍ عَنْ الطَّمَعِ لِئَلَّا يُسْتَمَالَ بِهِ (وَوُفُورُ عَقْلٍ) اكْتِسَابِيٍّ لِيَزْدَادَ ذَكَاؤُهُ وَفِطْنَتُهُ فَلَا يُخْدَعُ (وَجَوْدَةُ خَطٍّ) وَإِيضَاحُهُ مَعَ ضَبْطِ الْحُرُوفِ، وَتَرْتِيبِهَا، وَتَضْيِيقِهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا إلْحَاقٌ وَتَبْيِينُهَا لِئَلَّا يَشْتَبِهَ نَحْوُ سَبْعَةٍ بِتِسْعَةٍ وَمَعْرِفَتُهُ بِحِسَابِ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ، وَفَصَاحَتُهُ وَعِلْمُهُ بِلُغَاتِ الْخُصُومِ.

(وَ) يُتَّخَذُ نَدْبًا أَيْضًا (مُتَرْجِمًا) لِأَنَّهُ قَدْ يَجْهَلُ لِسَانَ الْخُصُومِ أَوْ الشُّهُودِ، وَالْمُرَادُ بِاِتِّخَاذِهِ كَوْنُهُ عَارِفًا بِاللُّغَاتِ الْغَالِبِ وُجُودِهَا فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ لُغَةَ الْخُصُومِ لَمْ يَتَّخِذْهُ (وَشَرْطُهُ عَدَالَةٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَدٌ) أَيْ اثْنَانِ وَلَوْ فِي زِنًا، وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ كُلُّهُمْ أَعْجَمِيِّينَ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ إلَى الْقَاضِي قَوْلًا لَا يَعْرِفُهُ فَأَشْبَهَ الْمُزَكِّيَ وَالشَّاهِدَ، بِخِلَافِ الْكَاتِبِ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا، نَعَمْ يَكْفِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِمَا، وَقِيسَ بِهِمَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِنَّ، وَأُسْقِطَ مِنْ الْأَصْلِ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ لِدُخُولِهِ فِي الْعَدَالَةِ.

وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ انْتِفَاءَ التُّهْمَةِ فَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا.

وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ التَّرْجَمَةُ عَنْ الْقَاضِي بِالْحُكْمِ أَوْ عَنْ الْخَصْمِ بِمَا يَتَضَمَّنُ حَقًّا لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيمَا يَتَضَمَّنُ حَقًّا عَلَيْهِمَا لَمْ يَظْهَرْ لِامْتِنَاعِهِ وَجْهٌ، وَيَكْفِي اثْنَانِ عَنْ الْخَصْمَيْنِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ، وَعُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ اشْتِرَاطُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ أَعْمَى) لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ تَفْسِيرُ لَفْظٍ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ وَإِشَارَةٍ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَعَلَيْهِ فَيُكَلِّفُ الْقَاضِي مَنْ حَضَرَ السُّكُوتَ لِئَلَّا يَتَكَلَّمَ غَيْرُ الْخَصْمِ وَالثَّانِي لَا كَالشَّاهِدِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَغْلِيبُهُمْ شَائِبَةَ الرِّوَايَةِ إذْ هِيَ شَهَادَةٌ إلَّا فِي هَذَا لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَطِ لَهُ الْإِبْصَارُ هُنَا (وَ) الْأَصَحُّ (اشْتِرَاطُ عَدَدٍ) وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى هُنَا أَيْضًا (فِي إسْمَاعِ قَاضٍ بِهِ صَمَمٌ) لَمْ يَبْطُلْ سَمْعُهُ كَالْمُتَرْجِمِ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ عَيْنَ اللَّفْظِ كَمَا أَنَّ ذَاكَ يَنْقُلُ مَعْنَاهُ.

وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمُسَمِّعَ لَوْ غَيَّرَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ وَالْحَاضِرُونَ بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِ وَشَرْطُهُمَا مَا مَرَّ فِي الْمُتَرْجِمِينَ، وَخَرَجَ بِإِسْمَاعِ الْقَاضِي الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ إسْمَاعُ الْخَصْمِ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي أَوْ خَصْمَهُ فَيَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَيُرْزَقُ مِنْهُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْمَكْفِيِّ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِالْعَمَلِ غَيْرُهُ.

وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلَهُ وَيُرْزَقُ مِنْهُ: أَيْ وَإِنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، فَلَوْ لَمْ يُعْطَ رُبَّمَا تَرَكَ الْعَمَلَ فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ الَّتِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِالشَّرْعِ فَيَشْمَلُ الْفِقْهَ وَالْحَدِيثَ وَالتَّفْسِيرَ وَمَا كَانَ آلَةً لَهَا (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُؤْتَى مِنْ الْجَهْلِ) أَيْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الْخَلَلُ مِنْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفِطْنَتُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ) لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَهُ فِي التَّرْجَمَةِ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ فِي نَقْلِ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ، حَتَّى لَوْ نَقَلَ اثْنَانِ كَلَامَ الْخَصْمِ لِلْقَاضِي وَنَقَلَ وَاحِدٌ كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ) أَيْ الزِّنَا (قَوْلُهُ لَمْ يَظْهَرْ لِامْتِنَاعِهِ وَجْهٌ) قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ قَدْ يَكْتُمُ شَيْئًا مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: اشْتِرَاطُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ) هُوَ ظَاهِرٌ فِي نَقْلِهِ كَلَامُ الْخَصْمِ لِلْقَاضِي إذْ الشَّهَادَةُ تَكُونُ عِنْدَهُ، أَمَّا فِي نَقْلِهِ كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ فَفِيهِ وَقْفَةٌ لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ إذْ هِيَ شَهَادَةٌ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ حَتَّى يَتَأَتَّى الِاسْتِثْنَاءُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا إلَخْ) اُنْظُرْ مِنْ أَيْنَ عُلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>