للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهِ (أَوْ مُعَامَلَةٍ) فَقَدْ شَهِدَ عِنْدَ عُمَرَ اثْنَانِ فَقَالَ لَهُمَا لَا أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا، فَأَتَيَا بِرَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَيْفَ تَعْرِفُهُمَا؟ قَالَ: بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ، قَالَ: هَلْ كُنْت جَارًا لَهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا وَمَدْخَلَهُمَا وَمَخْرَجَهُمَا؟ قَالَ لَا؟ قَالَ: هَلْ عَامَلْتهمَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُعْرَفُ بِهِمَا أَمَانَاتُ الرِّجَالِ؟ قَالَ لَا، قَالَ: هَلْ صَاحَبْتهمَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ، قَالَ لَا؟ قَالَ: فَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُمَا، ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي خِبْرَتِهِمْ بِذَلِكَ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْفِسْقِ خَفِيَّةٌ غَالِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُزَكِّي حَالَ مَنْ يُزَكِّيهِ، وَهَذَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِفْلَاسِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَتِهِ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ مِنْ مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ كَنَحْوِ شَهْرَيْنِ، وَيُغْنِي عَنْ خِبْرَةِ ذَلِكَ اسْتِفَاضَةُ عَدَالَتِهِ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَخْبَرُ بَاطِنَهُ وَأَلْحَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِذَلِكَ مَا لَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى سَمْعِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ التَّوَاطُؤِ، وَخَرَجَ بِمَنْ يُعَدِّلُهُ مَنْ يُجَرِّحُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ خِبْرَةُ بَاطِنِهِ لِاشْتِرَاطِ تَفْسِيرِ الْجَرْحِ

(وَالْأَصَحُّ) (اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَةٍ) مِنْ الْمُزَكِّي كَبَقِيَّةِ الشَّهَادَاتِ وَالثَّانِي لَا بَلْ يَكْفِي أَعْلَمُ وَتَحَقَّقَ وَهُوَ شَاذٌّ (وَأَنَّهُ يَكْفِي هُوَ عَدْلٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] فَأَطْلَقَ الْعَدَالَةَ، فَإِذَا شَهِدَ بِأَنَّهُ عَدْلٌ فَقَدْ أَثْبَتَ الْعَدَالَةَ الَّتِي اقْتَضَتْهَا الْآيَةُ (وَقِيلَ يَزِيدُ عَلَيَّ وَلِي) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ (وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ) كَزِنًا وَسَرِقَةٍ وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ، وَلِأَنَّ الْجَارِحَ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ مَعْرِفَةً فَنَسْأَلُهُ عَنْ بَيَانِهَا، وَالْمُعَدِّلَ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَعْرِفُ فَلَمْ يُطَالَبْ بِبَيَانٍ، وَلَا يُجْعَلُ بِذِكْرِ الزِّنَا قَاذِفًا وَإِنْ انْفَرَدَ لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ فَهُوَ فِي حَقِّهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ، بِخِلَافِ شُهُودِ الزِّنَا إذَا نَقَصُوا عَنْ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهُمْ قَذَفَةٌ لِأَنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ إلَى السَّتْرِ فَهُمْ مُقَصِّرُونَ، وَلَوْ عَلِمَ لَهُ مُجَرِّحَاتٍ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يَجُوزُ جَرْحُهُ بِالْأَكْبَرِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِالْأَصْغَرِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَهُ لَمْ يُقْبَلْ لَكِنْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ عَنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ كَمَا يَأْتِي، أَمَّا سَبَبُ الْعَدَالَةِ فَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِهَا وَعُسْرِ عَدِّهَا. قَالَ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُزَكَّى وَالْمَجْرُوحِ وَلَا الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ: أَيْ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْ ثَمَّ كَفَتْ فِيهِمَا شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ، نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْخَصْمِ لِيَأْتِيَ بِدَافِعٍ أَمْكَنَهُ (وَيُعْتَمَدُ فِيهِ) أَيْ الْجَرْحِ (الْمُعَايَنَةُ) لِنَحْوِ زِنَاهُ أَوْ السَّمَاعُ لِنَحْوِ قَذَفَهُ (أَوْ الِاسْتِفَاضَةُ) عَنْهُ بِمَا يُجَرِّحُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ التَّوَاتُرَ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ اعْتِمَادُ التَّوَاتُرِ بِالْأَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ عَدَدٍ قَلِيلٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَوُجِدَ شَرْطُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ مَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ نَعَمْ. وَثَانِيهِمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: الَّذِي يُسْفِرُ) أَيْ يَكْشِفُ (قَوْلُهُ: وَيُغْنِي عَنْ خِبْرَةِ ذَلِكَ اسْتِفَاضَةُ عَدَالَتِهِ) هِيَ قَوْلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ

(قَوْلُهُ لَكِنْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ) وَفِي نُسْخَةٍ: لَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَنْ إلَخْ: أَيْ نَدْبًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي لَهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَوْ مُعَامَلَةٍ) أَيْ أَوْ شِدَّةِ فَحْصٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَأَتَّى فِي الْمُزَكِّينَ الْمَنْصُوبِينَ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ غَالِبًا (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) اُنْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِمَا تَقَرَّرَ، وَفِي التُّحْفَةِ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مُعَامَلَةٍ مَا نَصُّهُ: قَدِيمَةٍ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا غَيْرُ الْقَدِيمَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَأَنْ عَرَفَهُ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ نَحْوِ شَهْرَيْنِ فَلَا يَكْفِي (قَوْلُهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَةِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ) صَوَابُهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُغْنِي عَنْ خِبْرَةٍ ذَلِكَ) فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظِ خِبْرَةٍ

(قَوْلُهُ: كَمَا يَأْتِي) الَّذِي يَأْتِي خِلَافُ هَذَا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّوَقُّفُ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا إبْدَالَ لَفْظِ يَجِبُ بِيُنْدَبُ وَهُوَ الَّذِي يُوَافِقُ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: أَمَّا سَبَبُ الْعَدَالَةِ فَلَا يُحْتَاجُ لِذِكْرِهِ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ بِخِلَافِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ. لَا يُقَالُ: إنَّ مَعْنَى ذَاكَ بِخِلَافِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُخْتَلَفًا فِيهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ السَّمَاعِ لِنَحْوِ قَذْفِهِ) الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>