بِإِقْرَارٍ مَعَ عِلْمِهِ بَاطِنًا بِمَا يُخَالِفُهُ لَزِمَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ
(وَشَرْطُ الْعَدَالَةِ اجْتِنَابُ) كُلِّ كَبِيرَةٍ مِنْ أَنْوَاعِ (الْكَبَائِرِ) إذْ مُرْتَكِبُهَا فَاسِقٌ، وَهِيَ مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدُّهُمْ كَبَائِرَ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ كَالظِّهَارِ وَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَقِيلَ هِيَ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ، وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ، وَقِيلَ هِيَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ الْإِصْرَارَ عَلَى صَغِيرَةٍ الْآتِي (وَ) اجْتِنَابُ (الْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ) أَوْ صَغَائِرَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَوْ أَنْوَاعٍ بِأَنْ لَا تَغْلِبَ طَاعَاتِهِ مَعَاصِيهِ فَهُوَ فَاسِقٌ وَيُتَّجَهُ ضَبْطُ الْغَلَبَةِ بِالْعَدِّ مِنْ جَانِبَيْ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِكَثْرَةِ ثَوَابٍ فِي الْأُولَى وَعِقَابٍ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ أُخْرَوِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّنْ ضَبَطَهُ بِالْعُرْفِ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ ضَبْطُهُ بِالْأَظْهَرِ مِنْ حَالِ الشَّخْصِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْمُرُوءَةِ وَالْمُخِلِّ بِهَا فَإِنْ غَلَبَ الْأَوَّلُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَإِلَّا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، بَلْ مَتَى وُجِدَ خَارِمُهَا كَفَى فِي رَدِّهَا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ صَغِيرَةٍ تَابَ مِنْهَا مُرْتَكِبُهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْعَدِّ لِإِذْهَابِ التَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ أَثَرَهَا رَأْسًا، وَمَا قِيلَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْإِصْرَارِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَهُ بَلْ مَعَ غَلَبَةِ الصَّغَائِرِ أَوْ مُسَاوَاتِهَا لِلطَّاعَاتِ وَهَذَا حِينَئِذٍ كَبِيرَةٌ مَحَلُّ نَظَرٍ.
لِأَنَّ الْإِصْرَارَ لَا يُصَيِّرُ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يُلْحِقُهَا بِهَا فِي الْحُكْمِ فَالْعَطْفُ صَحِيحٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ قَوْلُ جَمْعٍ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَشْعَرِيِّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ جَازَ لِأَنَّهُ جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ) وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ يُثْبِتُ فِي بَيَانِ الْحَقِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَقَرَّ نَاسِيًا أَوْ ظَانًّا بَقَاءَ الْحَقِّ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ فِي الْوَاقِعِ غَيْرَ ثَابِتٍ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدُّهُمْ إلَخْ) أَيْ لِجَوَازِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ كَبِيرَةٌ وَأَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فِيهِ تَفْصِيلٌ (قَوْلُهُ وَرِقَّةِ) عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ) كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ (قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ) لَعَلَّهُ بِعَدَمِ شُمُولِهِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ لَا يُصَيِّرُهَا كَبِيرَةً حَقِيقَةً وَإِنْ سَقَطَتْ بِهِ الْعَدَالَةُ وَعَلَيْهِ فَلَا اعْتِرَاضَ (قَوْلُهُ مِنْ جَانِبَيْ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ) أَيْ بِأَنْ يُقَابِلَ كُلَّ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ عَلَى الْمَعَاصِي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَغَلَبَتْ الْمَعَاصِي فِي بَاقِيهَا بِحَيْثُ لَوْ قُوبِلَتْ جُمْلَةُ الْمَعَاصِي بِجُمْلَةِ الطَّاعَاتِ كَانَتْ الْمَعَاصِي أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ غَلَبَ الْأَوَّلُ) أَيْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مُرُوءَةِ أَمْثَالِهِ (قَوْلُهُ: بَلْ مَتَى وُجِدَ خَارِمُهَا كَفَى) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِوُجُودِ الْخَارِمِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ وَلَا تَغْلِبُ الْمُرُوءَةُ عَلَيْهِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ الْخَارِمُ فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا غَلَبَتْ الْمُرُوءَةُ عَلَى مَا يُخِلُّ بِهَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ مَعَ غَلَبَةِ الْمُرُوءَةِ لَا يُعَدُّ خَارِمًا، لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ بَعْدَ قَوْلِ حَجّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ بَلْ قِيَاسُ النَّظَائِرِ أَنَّ الْفَاسِقَ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ) اُنْظُرْ مَا فَائِدَتُهُ مَعَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مَا لَا يَشْفِي
(قَوْلُهُ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ عَدَمِ الْقَدْحِ، وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَدَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا (قَوْلُهُ وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ الْإِصْرَارَ عَلَى صَغِيرَةِ الْآتِي) اُنْظُرْ الشُّمُولَ مِنْ أَيْنَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَلَبَ الْأَوَّلُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَإِلَّا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ) هَذَا مِنْ مَدْخُولِ النَّفْيِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْمُرُوءَةِ وَالْمُخِلِّ بِهَا بِحَيْثُ إنَّهُ إنْ غَلَبَ الْأَوَّلُ إلَخْ، وَمُقَابِلُ الْمَنْفِيِّ إنَّمَا هُوَ الْإِضْرَابُ الْآتِي وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ) هَذَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَدْ يُنَافِي مَا سَيَأْتِي لَهُ اسْتِيجَاهُهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِكْثَارِ مِنْ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ حَتَّى يُرَدَّ بِهِ الشَّهَادَةُ إلَّا فِي نَحْوِ قُبْلَةِ زَوْجَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْخَارِمَ هُوَ الْإِكْثَارُ وَالْمَنْفِيُّ هُنَا هُوَ تَكْرِيرُ الْإِكْثَارِ. فَالْحَاصِلُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْإِكْثَارُ انْخَرَمَتْ الْمُرُوءَةُ وَرُدَّتْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ الْإِكْثَارُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْإِكْثَارُ مُعَادِلًا لِخِصَالِ الْمُرُوءَةِ أَمْ أَقَلَّ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: فَالْعَطْفُ صَحِيحٌ) فِيهِ أَنَّ الْقِيلَ الْمَارَّ لَمْ يَدَّعِ صَاحِبُهُ عَدَمَ صِحَّةِ الْعَطْفِ، وَقَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ