وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ لَيْسَ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرَةٌ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا كَرِهُوا تَسْمِيَةَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الذُّنُوبِ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَبَعْضَهَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ تَعَلُّمِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ كَبِيرَةً لَكِنْ مِنْ الْمَسَائِلِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْخَفِيَّةِ، نَعَمْ مَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ فِي الْعَامِّيِّ الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ إلَخْ هَلْ يَكُونُ تَرْكُ تَعَلُّمِهِ ذَلِكَ كَبِيرَةً أَوْ لَا مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إفْتَاءُ الشَّيْخِ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَرْكَانَ أَوْ شُرُوطَ نَحْوِ الْوُضُوءِ أَوْ الصَّلَاةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ (وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَهُوَ صَغِيرَةٌ، وَفَارَقَ الشِّطْرَنْجُ بِأَنَّ مُعْتَمَدَهُ الْحِسَابُ الدَّقِيقُ وَالْفِكْرُ الصَّحِيحُ فَفِيهِ تَصْحِيحُ الْفِكْرِ وَنَوْعٌ مِنْ التَّدْبِيرِ، وَمُعْتَمَدُ النَّرْدِ الْحَزْرُ وَالتَّخْمِينُ الْمُؤَدِّي إلَى غَايَةٍ مِنْ السَّفَاهَةِ وَالْحُمْقِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ مَا حَاصِلُهُ: وَيُقَاسُ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ اللَّهْوِ، فَكُلُّ مَا اعْتَمَدَ الْحِسَابَ وَالْفِكْرَ كَالْمِنْقَلَةِ حُفَرٌ أَوْ خُطُوطٌ يَنْقُلُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا حَصَى بِالْحِسَابِ لَا يَحْرُمُ وَمَحَلُّهَا فِي الْمِنْقَلَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ حِسَابُهَا تَبَعًا لِمَا يُخْرِجُهُ الطَّابُ الْآتِي وَإِلَّا حَرُمَتْ، وَكُلُّ مَا مُعْتَمَدُهُ التَّخْمِينُ يَحْرُمُ، وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِطَابٌ وَهُوَ عَصًى صِغَارٌ تُرْمَى وَيُنْظَرُ لِلَوْنِهَا وَيُرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الكنجفة، وَيَجُوزُ اللَّعِبُ بِالْحَمَامِ وَالْخَاتَمِ حَيْثُ خَلَيَا عَنْ عِوَضٍ، لَكِنْ مَتَى كَثُرَ الْأَوَّلُ رُدَّتْ بِهِ الشَّهَادَةُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ خَلْعِهِمْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ وَالْمُرُوءَةِ وَالتَّعَصُّبِ، وَيُقَاسُ بِهِمْ مَا كَثُرَ وَاشْتَهَرَ مِنْ أَنْوَاعٍ حَدَثَتْ كَالْجَرْيِ وَحَمْلِ الْأَحْمَالِ الثَّقِيلَةِ وَالنِّطَاحِ بِنَحْوِ الْكِبَاشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ اللَّهْوِ وَالسَّفَهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ (وَيُكْرَهُ) اللَّعِبُ (بِشِطْرَنْجٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ مُعْجَمًا وَمُهْمَلًا لِأَنَّهُ يُلْهِي عَنْ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا الْفَاضِلَةِ بَلْ كَثِيرًا مَا يَسْتَغْرِقُ فِيهِ لَاعِبُهُ حَتَّى يُخْرِجَهَا عَنْ وَقْتِهَا وَهُوَ حِينَئِذٍ فَاسِقٌ غَيْرُ مَعْذُورٍ بِنِسْيَانِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَفْلَةَ نَشَأَتْ مِنْ تَعَاطِيهِ الْفِعْلَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُلْهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ كَالْمُتَعَمِّدِ لِتَفْوِيتِهِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ لَهْوٍ وَلَعِبٍ مَكْرُوهٍ مُشْغِلٍ لِلنَّفْسِ وَمُؤَثِّرٍ فِيهَا تَأْثِيرًا يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا حَتَّى تَشْتَغِلَ بِهِ عَنْ مَصَالِحِهَا الْأُخْرَوِيَّةِ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْكَرَاهَةِ إذَا لَعِبَهُ مَعَ مُعْتَقِدِ حِلِّهِ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ لِإِعَانَتِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ حَتَّى فِي ظَنِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِاعْتِقَادِ إمَامِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْحَاكِمِ اعْتِقَادُ نَفْسِهِ لَا الْخَصْمِ لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ، وَلَوْ نَظَرْنَا لِاعْتِقَادِ الْخَصْمِ تَعَطَّلَ الْقَضَاءُ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيَجْرِي إلَخْ مَا نَصُّهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي بَلْ مَتَى وُجِدَ خَارِمٌ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ شَرْحُ م ر اهـ (قَوْلُهُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ أَوْ أَنَّ بَعْضَهَا فَرْضٌ وَالْآخَرَ سُنَّةٌ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ (قَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالطَّاوِلَةِ فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي) أَيْ كُلِّ مَا مُعْتَمَدُهُ التَّخْمِينُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا مَالٍ فَيَحْرُمُ، وَيُؤَيِّدُهُ التَّقْيِيدُ فِي الْحَمَامِ وَمَا بَعْدَهُ بِالْخُلُوِّ عَنْ الْعِوَضِ، لَكِنْ قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ فِي الْمُسَابَقَةِ جَوَازَهُ حَيْثُ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الكنجفة) وَهِيَ أَوْرَاقٌ فِيهَا صُوَرٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ بِهِمْ) أَيْ بِأَهْلِ الْحَمَامِ: أَيْ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ فَقَطْ، أَمَّا الْجَرْيُ فَقَدْ يَحْرُمُ إنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إضْرَارٌ لِلنَّفْسِ بِلَا غَرَضٍ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَعْذُورٍ) أَيْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُقَاسُ بِهِمْ مَا كَثُرَ
[حاشية الرشيدي]
يُتَأَمَّلُ مَا الْمُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ وَاَلَّذِي مَرَّ تَقْيِيدٌ لَا تَأْوِيلٌ (قَوْلُهُ: الْكَنْجَفَةُ) هِيَ أَوْرَاقٌ مُزَوَّقَةٌ بِأَنْوَاعِ النُّقُوشِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَهِيَ أَوْرَاقٌ فِيهَا صُوَرٌ (قَوْلُهُ: كَالْمُتَعَمِّدِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَفْسُقُ بِإِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ وَتَوَقَّفَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي ضَابِطِ التَّكَرُّرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute