للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهَا، وَلِأَنَّهَا شِعَارُ الْفَسَقَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمَا حَرَامٌ، وَخَرَجَ بِاسْتِمَاعِهَا سَمَاعُهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يَحْرُمُ، وَحِكَايَةُ وَجْهٍ بِحِلِّ الْعُودِ مَرْدُودَةٌ، وَمَا سَمِعْنَاهُ مِنْ بَعْضِ صُوفِيَّةٍ الْوَقْتِ تَبِعَ فِيهِ كَلَامَ ابْنِ حَزْمٍ وَأَبَاطِيلَ ابْنِ طَاهِرٍ وَكَذِبَهُ الشَّنِيعَ فِي تَحْلِيلِ الْأَوْتَارِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُنْظَرْ لِكَوْنِهِ مَذْمُومَ السِّيرَةِ مَعَ أَنَّهُ مَرْدُودُ الْقَوْلِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي تَسْفِيهِهِ وَتَضْلِيلِهِ سِيَّمَا الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُ وَاتِّبَاعُ مَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ لَا مَا افْتَرَاهُ أُولَئِكَ.

نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ بِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَنْفَعُهُ لِمَرَضِهِ إلَّا الْعُودُ عُمِلَ بِخَبَرِهِمَا وَحَلَّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ كَالتَّدَاوِي بِنَجِسٍ فِيهِ الْخَمْرُ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ يُبَاحُ اسْتِمَاعُ آلَةِ اللَّهْوِ إذَا نَفَعَتْ مَنْ مَرِضَ: أَيْ لِمَنْ بِهِ ذَلِكَ الْمَرَضُ وَتَعَيَّنَ الشِّفَاءُ فِي سَمَاعِهِ، وَحِكَايَةُ ابْنِ طَاهِرٍ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ الْعُودَ مِنْ جُمْلَةِ كَذِبِهِ وَتَهَوُّرِهِ فَلَا يَحِلُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ (لَا يَرَاعٍ) وَهِيَ الشَّبَّابَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخُلُوِّ جَوْفِهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لِرَجُلٍ لَا قَلْبَ لَهُ رَجُلٌ يَرَاعٌ فَلَا يَحْرُمُ (فِي الْأَصَحِّ) لِخَبَرٍ فِيهِ (قُلْت: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ مُطْرِبٌ بِانْفِرَادِهِ، بَلْ قِيلَ إنَّهُ آلَةٌ كَامِلَةٌ لِجَمِيعِ النَّغَمَاتِ إلَّا يَسِيرًا فَحَرُمَ كَسَائِرِ الْمَزَامِيرِ، وَالْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ فِي شَبَّابَةِ الرَّاعِي مُنْكَرٌ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ دَلِيلُ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَدَّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمَاعِهَا نَاقِلًا لَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ اسْتَخْبَرَ مِنْ نَافِعٍ هَلْ يَسْمَعُهَا فَيَسْتَدِيمُ سَدَّ أُذُنَيْهِ، فَلَمَّا لَمْ يَسْمَعْهَا أَخْبَرَهُ فَتَرَكَ سَدَّهُمَا، فَهُوَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِصْغَاءِ إلَيْهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَهُ أَتَسْمَعُ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اسْتَمِعْ، وَلَقَدْ أَطْنَبَ خَطِيبُ الشَّامِ الدَّوْلَعِيُّ فِي تَحْرِيمِهَا وَتَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ وَنَسَبَ مَنْ قَالَ بِحِلِّهَا إلَى الْغَلَطِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهَا إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الدُّفِّ حَرُمَا بِالْإِجْمَاعِ مِمَّنْ يُعْتَدَّ بِهِ وَفِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ فِي الشِّطْرَنْجِ مَعَ الْقِمَارِ، وَعَنْ الزَّرْكَشِيّ فِي الْغِنَاءِ مَعَ الْآلَةِ، وَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مِنْ أَنَّهُمَا كَانَا يَسْمَعَانِ ذَلِكَ فَكَذِبٌ.

(وَيَجُوزُ دُفٌّ) أَيْ ضَرْبُهُ وَاسْتِمَاعُهُ (لِعُرْسٍ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ جُوَيْرِيَّاتٍ ضَرَبْنَ بِهِ حِينَ بَنَى عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُمَا» ، بَلْ قَالَ لِمَنْ قَالَتْ:

وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ

دَعِي هَذَا وَقَوْلِي بِاَلَّتِي كُنْت تَقُولِينَ: أَيْ مِنْ مَدْحِ بَعْضِ الْمَقْتُولِينَ بِبَدْرٍ، وَصَحَّ خَبَرُ «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الضَّرْبُ بِالدُّفِّ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ خَبَرَ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» وَقَدْ أَخَذَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ نَدْبَهُ فِي الْعُرْسِ وَنَحْوِهِ (وَخِتَانٍ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يُقِرُّهُ فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَيُنْكِرُهُ فِي غَيْرِهِمَا (وَكَذَا غَيْرُهُمَا) مِنْ كُلِّ سُرُورٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ قَالَتْ لَهُ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ: إنِّي نَذَرْت إنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ، فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْت نَذَرْت أَوْفِي بِنَذْرِك» .

وَالثَّانِي الْمَنْعُ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ يَضْرِبْهُ لِنَحْوِ قُدُومِ عَالِمٍ أَوْ سُلْطَانٍ وَيُبَاحُ أَوْ يُسَنُّ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِنَدْبِهِ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَلَاجِلُ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَرَاءُ الْمَشْهُورُونَ فِي زَمَنِنَا الْمُسَمَّى فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ بِالْكَاسَاتِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الشَّبَّابَةُ) هِيَ الْمُسَمَّاةُ الْآنَ بِالْغَابِ (قَوْلُهُ: فِي الْغِنَاءِ مَعَ الْآلَةِ) أَيْ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الدُّفِّ حَرُمَتْ دُونَهُ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ دُفٌّ) وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالطَّارِ (قَوْلُهُ: حِينَ بَنَى) أَيْ دَخَلَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَقُولِي بِاَلَّتِي) أَيْ بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ سُرُورٍ) قَدْ يُفْهِمُ تَحْرِيمَهُ لَا لِسَبَبٍ أَصْلًا فَلْيُرَاجَعْ وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَعِبٌ مُجَرَّدٌ (قَوْلُهُ: لِنَحْوِ قُدُومِ عَالِمٍ) أَيْ وَإِلَّا فَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا،

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَحَلَّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ) اُنْظُرْ هَلْ يَحِلُّ لِنَحْوِ الطَّبِيبِ اسْتِعْمَالُهُ حِينَئِذٍ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُ الْمَرِيضِ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ شِفَاؤُهُ (قَوْلُهُ: كَامِلَةً لِجَمِيعِ النَّغَمَاتِ) عِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: وَافِيَةٌ بِجَمِيعِ النَّغَمَاتِ (قَوْلُهُ: سَدَّ أُذُنَيْهِ) أَيْ وَرَعًا، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ مُجَرَّدَ السَّمَاعِ لَا يَحْرُمُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ إشْكَالُ تَقْرِيرِهِ لِسَمَاعٍ نَافِعٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ دُفٌّ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ سُرُورٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ السُّرُورِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَيُبَاحُ أَوْ يُسَنُّ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهِ الدُّخُولُ فِي الْمَتْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>