للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلِهِ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣] وَالصَّلَاةُ مِنْ الْخَيْرَاتِ، وَسَبَبُ الْمَغْفِرَةِ، وَلِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» وَأَمَّا خَبَرُ «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» فَمُعَارَضٌ بِذَلِكَ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ ظُهُورُ الْفَجْرِ الَّذِي بِهِ يُعْلَمُ طُلُوعُهُ، فَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِهِ عِنْدَ ظَنِّ طُلُوعِهِ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ» فَجَوَابُهُ أَنَّ تَعْجِيلَهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَفِي آخِرِهِ عَفْوُ اللَّهِ» قَالَ إمَامُنَا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنِينَ، وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ، وَلَا يُمْنَعُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَوْ اشْتَغَلَ أَوَّلَهُ بِأَسْبَابِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَأَذَانٍ وَسَتْرٍ وَأَكْلِ لُقَمٍ وَتَقْدِيمِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ بَلْ لَوْ أَخَّرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا حَصَّلَ فَضِيلَةَ أَوَّلِهِ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ، وَلَا يُكَلَّفُ السُّرْعَةَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَالْجَمْعُ فُرَصٌ مِثْلَ: غَرْفَةٌ وَغُرَفٌ (قَوْلُهُ: وَقَوْلِهِ وَسَارِعُوا) قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: مَعْنَى الْمُسَارَعَةِ إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالْجَنَّةِ الْإِقْبَالُ عَلَى مَا يُوَصِّلُ إلَيْهِمَا ثُمَّ قِيلَ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَوْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى أَوْ الطَّاعَةُ أَوْ الْإِخْلَاصُ أَوْ التَّوْبَةُ أَوْ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ.

(قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ) أَيْ وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فَكَانَ لِعُذْرٍ وَمَصْلَحَةٍ تَقْتَضِي التَّأْخِيرَ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ كَانَ تُفِيدُ التَّكْرَارَ.

لِأَنَّا نَقُولُ: أَمَّا أَوَّلًا فَإِفَادَتُهَا التَّكْرَارَ لَيْسَ مِنْ وَضْعِهَا بَلْ بِحَسَبِ الْقَرَائِنِ الْمُحْتَفَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَتَقُولُ سَلَّمْنَا إفَادَتَهَا التَّكْرَارَ لَكِنَّهُ يَصْدُقُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَتَكَرُّرُهَا بِتَكَرُّرِ الْعُذْرِ وَالْأَكْثَرُ التَّعْجِيلُ بَلْ هُوَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ: لَوْ اشْتَغَلَ) هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ: أَيْ اشْتِغَالُهُ لِأَنَّ لَوْ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَصْدَرِيَّةِ الَّتِي تُسْبَكُ بِالْمَصْدَرِ (قَوْلُهُ: وَأَكْلِ لُقَمٍ) أَيْ مُوَفِّرَةٍ لِلْخُشُوعِ كَمَا فِي حَجّ، وَلَعَلَّ جَعْلَهُ سَبَبًا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ فِيهَا وَإِلَّا فَالْأَكْلُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِهَا.

وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الشِّبَعَ يُفَوِّتُ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ، وَقَدْ يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ لَهُ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَالْأَقْرَبُ إلْحَاقُ مَا هُنَا بِمَا هُنَاكَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ سم عَلَى حَجّ الْمَذْكُورِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ نَقْلًا عَنْ الزَّرْكَشِيّ، وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْوَسَطُ مِنْ غَالِبِ النَّاسِ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ وَعُمُومُهُ شَامِلٌ لِهَذِهِ، فَلَوْ خَالَفَ عَادَةَ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَاتَتْهُ سُنَّةُ التَّعْجِيلِ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ وَنَوَى أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ الْعُذْرِ عَجَّلَ فَمِنْ الظَّاهِرِ عَدَمُ حُصُولِ السُّنَّةِ، وَلَكِنْ لَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لَهُ ثَوَابًا مِثْلَ ثَوَابِهِ لَوْ عَجَّلَ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ ذَلِكَ) أَيْ أَسْبَابِهَا وَمِثْلُهُ فِي حَجّ لَكِنَّ ابْنَ حَجّ بَيَّنَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْبَابِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي وَقْتِ الْفَضِيلَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْأَسْبَابَ عَلَى الْوَقْتِ وَأَخَّرَ بِقَدْرِهَا مِنْ أَوَّلِهِ حَصَلَ سُنَّةُ التَّعْجِيلِ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ عَلَى الْجَدِيدِ زَمَنُ مَا يَجِبُ وَيُنْدَبُ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ وَإِنْ نَدَرَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا (قَوْلُهُ: حَصَّلَ فَضِيلَةَ أَوَّلِهِ إلَخْ) أَيْ لَكِنَّ الْفِعْلَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ بَعْدُ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ فِي وَقْتِ الْفَضِيلَةِ كَمَنْ أَدْرَكَ التَّحَرُّمَ مَعَ الْإِمَامِ، وَمَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَالْحَاصِلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ لَكِنَّ دَرَجَاتِ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الذَّخَائِرِ) هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُكَلَّفُ السُّرْعَةَ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ: وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ الْحِرْصُ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ لَكِنْ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَفِعْلِهِمْ لِأَسْبَابِهَا عَادَةً، وَبَعْدَهُ يُصَلِّي بِمَنْ حَضَرَ وَإِنْ قَلَّ، لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْقَلِيلَةَ أَوَّلَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَثِيرَةِ آخِرَهُ، وَلَا يَنْتَظِرُ وَلَوْ هُوَ شَرِيفٌ وَعَالِمٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَأَكْلِ لُقَمٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْبَابِ أَعَمُّ مِمَّا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ أَوْ كَمَالُهَا، بِخِلَافِ صَنِيعِ الشِّهَابِ حَجّ حَيْثُ جَعَلَهَا مِنْ الشُّغْلِ الْخَفِيفِ، إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْبَابِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فَحَسْبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>