بِهِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ وَيَمِينٍ إذْ الْقَصْدُ مِنْهُ حِينَئِذٍ الْمَالُ، وَلَوْ أَقَامَتْ شَاهِدًا بِإِقْرَارِ زَوْجِهَا بِالدُّخُولِ فَلَهَا الْحَلِفُ مَعَهُ وَيَثْبُتُ مَهْرُهَا، فَإِنْ أَقَامَهُ هُوَ عَلَى إقْرَارِهَا لَمْ يَكْفِ الْحَلِفُ مَعَهُ لِأَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ وَالْعِدَّةِ وَهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ، وَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي وَجْهِ الْحُرَّةِ وَيَدِهَا وَمَا يَبْدُو فِي مِهْنَةِ الْأَمَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْمَرْجُوحِ الْقَائِلِ بِحِلِّ نَظَرِهِ، أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ حُرْمَتِهِ فَيَثْبُت بِالنِّسَاءِ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ، سِيَّمَا مَا يَبْدُو فِي الْأَمَةِ فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ لَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهَا كَالْحُرَّةِ، وَلَا عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ بِحِلِّ مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَمَّا ذُكِرَ، وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا هُنَا لِحِلِّ نَظَرٍ وَلَا لِحُرْمَتِهِ إذْ لِلشَّاهِدِ النَّظَرُ لِلشَّهَادَةِ وَلَوْ لِلْفَرْجِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا نَظَرُوا لِمَا مِنْ شَأْنِهِ اطِّلَاعُ الرِّجَالِ عَلَيْهِ غَالِبًا أَوْ لَا، وَمَا ذُكِرَ يُسَهِّلُ اطِّلَاعَهُمْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ لِعَدَمِ تَحَفُّظِ النِّسَاءِ فِي سَتْرِهِ غَالِبًا فَلَمْ يُقْبَلْنَ فِيهِ مُطْلَقًا
(وَمَا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْأَقْوَى فَمَا دُونَهُ أَوْلَى (وَمَا ثَبَتَ بِهِمْ) أَيْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَغَلَبَهُ لِشَرَفِهِ (يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِمَا فِي الْحُقُوقِ وَالْأَمْوَالِ ثُمَّ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا. فَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ فَلَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ عَلَى أَنَّ النَّسْخَ لِلْحُكْمِ وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَلْيَثْبُتْ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا تَضَمَّنَ وَقْفِيَّةً كَأَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لِأَبِي وَقَفَهَا عَلَيَّ وَأَنْت غَاصِبٌ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ حُكِمَ لَهُ بِالْمِلْكِ ثُمَّ تَصِيرُ وَقْفًا بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ (إلَّا عُيُوبَ النِّسَاءِ وَنَحْوَهَا) فَلَا تَثْبُتُ بِهِمَا لِخَطَرِهَا، نَعَمْ يُقْبَلَانِ فِي عَيْبٍ فِيهِنَّ يَقْتَضِي الْمَالَ كَمَا مَرَّ (وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ) لِضَعْفِهِمَا.
(وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَتَعْدِيلِهِ) لِأَنَّ جَانِبَهُ إنَّمَا يَتَقَوَّى حِينَئِذٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَضَاءَ بِهِمَا، فَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ غَرِمَ نِصْفَ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَقَدُّمُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الرَّجُلِ قَطْعًا (وَيَذْكُرُ فِي حَلِفِهِ) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لِلْمَشْهُودِ بِهِ (صِدْقَ الشَّاهِدِ) وُجُوبًا قَبْلَهُ أَمْ بَعْدَهُ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ إنَّ شَاهِدِي لَصَادِقٌ وَإِنِّي لَمُسْتَحِقٌّ لِكَذَا لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَا الْجِنْسِ فَاعْتُبِرَ ارْتِبَاطُهُمَا لِيَصِيرَا كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ (فَإِنْ تَرَكَ الْحَلِفَ) مَعَ شَاهِدِهِ (وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَرَّعُ عَنْ الْيَمِينِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ) فَصَارَ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَصِيرُ وَقْفًا بِإِقْرَارِهِ) أَيْ ثُمَّ إنْ ذَكَرَ مَصْرِفًا بَعْدَهُ صَرَفَ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْآخَرِ فَيَصْرِفُ لِأَقْرَبِ رَحِمِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَثْبُتُ بِهِمَا) أَيْ بِالرَّجُلِ وَالْيَمِينِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَضَاءَ بِهِمَا) أَيْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (قَوْلُهُ: لِقِيَامِهَا مَقَامَ الرَّجُلِ قَطْعًا) أَيْ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَإِنَّ فِي الثُّبُوتِ بِهِمَا خِلَافًا (قَوْلُهُ: صِدْقَ الشَّاهِدِ وُجُوبًا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ ذِكْرِ الْحَقِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَا الْجِنْسِ) أَيْ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ مُجَرَّدَ رِوَايَتِهِ عَنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِينَ لَا يُحَقَّقُ تَوَاتُرُهُ لِمَا اسْتَقَرَّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ وُجُودُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي سَائِرِ الطِّبَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ كَالشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ لَيْسَ هُوَ تَمَامُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ التَّوَاتُرِ بَلْ هُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أُخْرَى تَرَكَاهَا لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَهِيَ أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذَلِكَ الْحَنَفِيَّ مُنَازَعَتُهُ إنَّمَا هِيَ مَعَ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ، وَيَبْعُدُ عَادَةً أَنْ يَرْوِيَ مَا ذُكِرَ عَدَدٌ قَلِيلٌ عَنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ الصَّحَابَةِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّاوِيَ لَهُ عَنْ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ لِمَا عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ الْخَبَرَ الْوَاحِدَ يَرْوِيهِ عَنْ الصَّحَابِيِّ الْوَاحِدِ عَدَدٌ مِنْ التَّابِعِينَ لِتَوَفُّرِهِمْ عَلَى تَلَقِّي الْأَحَادِيثِ وَحِفْظِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ، فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ وَصَلَ إلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَبْلُغُ نَحْوَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ تَرَاخِي زَمَنِهِ عَنْهُمْ يَبْلُغُ الشَّافِعِيَّ عَنْ عَدَدٍ أَكْثَرَ مِنْهُمْ لِقُرْبِهِ مِنْ زَمَنِهِمْ وَلِجَلَالَتِهِ الْمُقَرَّرَةِ فِي هَذَا الْعِلْمِ كَغَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute