عَنْ الْبَغَوِيّ، وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يُحَلِّفُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ نَفْعَ خَصْمِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْكِتَابِ كَأَصْلِهِ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُ وَلَا مَطْعَنَ فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَوْ ذَكَرَ تَأْوِيلًا مِنْ نِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ فَلَهُ التَّحْلِيفُ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي قَبْلَ ذَلِكَ، أَمَّا مَعَ شَاهِدِهِ أَوْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ فَلَا يَحْلِفُ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى إبْرَاءٍ مِنْ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ بَاطِلٌ.
(وَكَذَا لَوْ) (ادَّعَى) خَصْمُهُ (عِلْمَهُ بِفِسْقِ شَاهِدِهِ) أَوْ نَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ (أَوْ كَذِبِهِ) فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَسَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ كُلَّ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَنَفَعَ خَصْمَهُ لِخَصْمِهِ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِهِ. نَعَمْ لَا يَتَوَجَّهُ حَلِفٌ عَلَى شَاهِدٍ أَوْ قَاضٍ ادَّعَى كَذِبَهُ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ لَوْ أَقَرَّ نَفْعَهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسَادٍ عَامٍّ، وَلَوْ نَكَلَ عَنْ هَذِهِ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ، وَمَرَّ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّ لِلْمُقِرِّ تَحْلِيفَ الْمُقَرِّ لَهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَشْهَدَ عَلَى رَسْمِ الْقُبَالَةِ، وَلَوْ أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِلَا أَمْنَعُك مِنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمَنْعُ وَلَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ إلَّا إذَا حَلَفَ أَنَّهَا حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ بِيَدِهِ.
(وَإِذَا) (اسْتَمْهَلَ) مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ (لِيَأْتِيَ بِدَافِعٍ) (أُمْهِلَ) وُجُوبًا لَكِنْ بِكَفِيلٍ وَإِلَّا رُسِمَ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ هَرَبُهُ وَذَلِكَ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ الدَّافِعَ، فَإِنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ وَجَبَ اسْتِفْسَارُهُ حَيْثُ كَانَ عَامِّيًّا لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ مَا لَيْسَ بِدَافِعٍ دَفْعًا (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ لَا يَعْظُمُ الضَّرَرُ فِيهَا، فَإِنْ احْتَاجَ فِي إثْبَاتِهِ إلَى سَفَرٍ مُكِّنَ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثَّلَاثِ، وَلَوْ أَحْضَرَ بَعْدَ الْإِمْهَالِ الْمَذْكُورِ شُهُودَ الدَّافِعِ أَوْ شَاهِدًا أَوْ أَحَدًا أُمْهِلَ ثَلَاثًا أُخْرَى لِلتَّعْدِيلِ أَوْ التَّكْمِيلِ، وَلَوْ عَيَّنَ جِهَةً وَلَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى أُخْرَى عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ وَاسْتَمْهَلَ لَهَا لَمْ يُمْهَلْ أَوْ أَثْنَاءَهَا أُمْهِلَ بَقِيَّتَهَا فَقَطْ.
(وَلَوْ) (ادَّعَى رِقَّ بَالِغٍ) عَاقِلٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ وَلَوْ سَكْرَانَ (فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ) بِالْأَصَالَةِ وَهُوَ رَشِيدٌ وَلَمْ يَسْبِقْ إقْرَارُهُ بِالْمِلْكِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ الْجُعَالَةِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَمِنْ ثَمَّ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الرِّقِّ عَلَى بَيِّنَةِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ مَعَ الْأُولَى زِيَادَةَ عِلْمٍ بِنَقْلِهَا عَنْ الْأَصْلِ، كَذَا أَطْلَقَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ بَيِّنَةَ الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَكَذَا قَالَ شُرَيْحٌ فِي رَوْضَتِهِ. .
أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ بِالرِّقِّ وَادَّعَى زَوَالَهُ كَأَعْتَقَنِي هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ، وَإِذَا ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهُ الْأَصْلِيَّةُ بِقَوْلِهِ رَجَعَ مُشْتَرِيهِ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ لِبِنَائِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ.
(أَوْ) ادَّعَى (رِقَّ صَغِيرٍ) أَوْ مَجْنُونٍ كَبِيرٍ (لَيْسَ فِي يَدِهِ) وَكَذَّبَهُ صَاحِبُ الْيَدِ (لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا كَعِلْمِ قَاضٍ وَيَمِينٍ مَرْدُودَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ (أَوْ فِي يَدِهِ) أَوْ يَدِ غَيْرِهِ وَصَدَّقَهُ (حُكِمَ لَهُ بِهِ إنْ) حَلَفَ لِعِظَمِ خَطَرِ الْحُرِّيَّةِ، وَ (لَمْ يَعْرِفْ اسْتِنَادَهَا) فِيهِمَا (إلَى الْتِقَاطٍ) وَلَا أَثَرَ لِإِنْكَارِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِأَنَّ الْيَدَ حُجَّةٌ، بِخِلَافِ الْمُسْتَنِدَةِ لِلِالْتِقَاطِ لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ هُنَا تَتْمِيمًا لِأَحْوَالِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَكْرَارَ.
(وَلَوْ) (أَنْكَرَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مُمَيِّزٌ) كَوْنَهُ قِنَّهُ (فَإِنْكَارُهُ لَغْوٌ) لِإِلْغَاءِ عِبَارَتِهِ (وَقِيلَ كَبَالِغٍ) لِأَنَّهُ يَعْرِفُ نَفْسَهُ، وَكَذَا لَا يُؤَثِّرُ إنْكَارُهُ بَعْدَ كَمَالِهِ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِرِقِّهِ فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الرشيدي]
شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا: أَيْ وَبَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَكَرَ تَأْوِيلًا) أَيْ فِيمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُ وَلَا مَطْعَنَ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْلِفُ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَى) يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ إنْ أَسْنَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَى مَا بَعْدَ حَلِفِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: خَصْمُهُ) كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَكُنْ بِيَدِهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ.
(إنْ خِيفَ هَرَبُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الِاسْتِدْرَاكِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ عَامِّيًّا) هُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَذَلِكَ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ إلَخْ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَإِنْ أَوْهَمَ سِيَاقُهُ خِلَافَ ذَلِكَ، فَغَيْرُ الْعَامِّيِّ يُمْهَلُ وَإِنْ لَمْ يُفَسِّرْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ.