للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا بِحُجَّةٍ.

(وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إلْزَامٌ وَمُطَالَبَةٌ فِي الْحَالِ، نَعَمْ إنْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَادَّعَى بِجَمِيعِهِ لِيُطَالِبَهُ بِمَا حَلَّ وَإِنْ قَلَّ وَيَكُونُ الْمُؤَجَّلُ تَبَعًا سُمِعَتْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالثَّانِي تُسْمَعُ لِيُثْبِتَهُ فِي الْحَالِ وَيُطَالِبَهُ بِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ. .

وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ صِحَّةَ الدَّعْوَى بِقَتْلِ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَتْ الدِّيَةُ مُؤَجَّلَةً لِأَنَّ الْقَصْدَ ثُبُوتُ الْقَتْلِ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ دَعْوَى عَقْدٍ بِمُؤَجَّلٍ قُصِدَ بِهَا تَصْحِيحُ الْعَقْدِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مُسْتَحَقٌّ فِي الْحَالِ.

وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مُعْسِرٍ وَقَصَدَ إثْبَاتَهُ لِيُطَالِبَهُ إذَا أَيْسَرَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ مُطْلَقًا، وَاعْتَمَدَهُ الْغَزِّيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ اقْتَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ سَمَاعَهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ إثْبَاتُهُ ظَاهِرًا مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا قَبَضَهُ حَالًّا بِتَقْدِيرِ يَسَارِهِ الْقَرِيبِ عَادَةً، وَمَرَّ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى أَنْ لَا يُنَافِيَهَا دَعْوَى أُخْرَى، وَمِنْهُ أَنْ لَا يُكَذِّبَ أَصْلَهُ.

فَلَوْ ثَبَتَ إقْرَارُ رَجُلٍ بِأَنَّهُ عَبَّاسِيٌّ فَادَّعَى فَرْعَهُ أَنَّهُ حَسَنِيٌّ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ الْمَعْلُومَةَ مِمَّا سَبَقَ، وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْإِلْزَامُ وَعَدَمُ الْمُنَاقَضَةِ مُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ دَعْوَى، وَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي الدَّعْوَى بِعَيْنٍ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ وَاشْتَرَيْتُهَا أَوْ اتَّهَبْتُهَا مِنْ فُلَانٍ وَكَانَ يَمْلِكُهَا أَوْ سَلَّمَنِيهَا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَفِي الدَّعْوَى عَلَى الْوَارِثِ بِدَيْنٍ وَمَاتَ الْمَدِينُ وَخَلَّفَ تَرِكَةً تَفِي بِالدَّيْنِ أَوْ بِكَذَا مِنْهُ وَهُوَ بِيَدِ هَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ الدَّيْنَ: أَيْ أَوْ لِي بِهِ بَيِّنَةٌ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ مُطْلَقًا) مِنْ هَذَا يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا تَقَرَّرَ فِي نِظَارَةٍ عَلَى وَقْفٍ مِنْ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَدَهُ خَرَابًا، ثُمَّ إنَّهُ عَمَّرَهُ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِهِ ثُمَّ سَأَلَ الْقَاضِيَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ فِي نُزُولِ كَشْفٍ عَلَى الْمَحَلِّ وَتَحْدِيدِ الْعِمَارَةِ وَكِتَابَةِ حُجَّةٍ بِذَلِكَ فَأَجَابَهُ لِذَلِكَ وَعَيَّنَ مَعَهُ كَشَّافًا وَشُهُودًا وَمُهَنْدِسِينَ، فَقَطَعُوا قِيمَةَ الْعِمَارَةِ الْمَذْكُورَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ نِصْفٍ وَأَخْبَرُوا الْقَاضِيَ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ حُجَّةً لِيَقْطَعَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مَعَالِيمَهُمْ وَيَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ أَخْذَ الْوَقْفِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمِقْدَارَ الْمَذْكُورَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِالْحُجَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجِيبُهُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ إذْ ذَاكَ وَلَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى، وَالْكِتَابَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِدَفْعِ مَا طُلِبَ مِنْهُ وَادُّعِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا هُنَا، وَطَرِيقُهُ فِي إثْبَاتِ الْعِمَارَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِمَا صَرَفَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا مَثَلًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ جَوَابًا لِدَعْوَى مُلْزَمَةٍ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ يُصَدَّقُ فِيمَا صَرَفَهُ بِيَمِينِهِ حَيْثُ ادَّعَى قَدْرًا لَائِقًا وَسَاغَ لَهُ صَرْفُهُ بِأَنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَأَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ كَالْقَرْضِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ، أَوْ كَانَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنَّ لِلنَّاظِرِ اقْتِرَاضَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَالُ مِنْ الْعِمَارَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ صِحَّةُ الدَّعْوَى بِقَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِهِمْ حَتَّى فِي الْمُتُونِ، فَلَا وَجْهَ لِإِسْنَادِهِ لِبَحْثِ الْبُلْقِينِيِّ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُنْسَبُ لِلْبُلْقِينِيِّ التَّنْبِيهُ، عَلَى أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بِالْمُؤَجَّلِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَصْدَ إثْبَاتُهُ إلَخْ) هُوَ تَعْلِيلٌ لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَصْدَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِقَوْلِهِ وَسَلَّمَنِيهَا عَنْ قَوْلِهِ وَكَانَ يَمْلِكُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>