للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ قُرْبَةٌ فِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ بِهِ حُصُولَ وَلَدٍ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ الْقُرُبَاتِ سَوَاءٌ الْمُنَجَّزُ وَالْمُعَلَّقُ. وَأَمَّا تَعْلِيقُهُ فَإِنْ قُصِدَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ فَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ قُرْبَةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِيلَادِ لِتَرَتُّبِ مُسَبَّبِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَتَأَخُّرِهِ فِي الِاسْتِيلَادِ وَلِحُصُولِ السَّبَبِ بِالْقَوْلِ قَطْعًا بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ لِجَوَازِ مَوْتِ الْمُسْتَوْلَدَةِ أَوَّلًا وَلِأَنَّ الْعِتْقَ بِالْقَوْلِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ. وَأُمَّهَاتٌ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ أُمَّهَةٍ أَصْلُ أُمٍّ أَوْ جَمْعُ أُمٍّ، وَأَصْلُهَا أَمْهَةٌ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ فِيهِمَا أُمَّهَاتٌ وَأُمَّاتٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ فِي النَّاسِ وَالثَّانِي أَكْثَرُ فِي غَيْرِهِمْ وَأَنْشَدَ الزَّمَخْشَرِيّ لِلْمَأْمُونِ بْنِ الرَّشِيدِ:

وَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ ... مُسْتَوْدَعَاتٌ وَلِلْآبَاءِ أَبْنَاءُ

وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ مَجْمُوعُ أَحَادِيثَ عَضَّدَ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي مَارِيَةَ أُمِّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا وَلَدَتْ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» أَيْ أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ الْحُرِّيَّةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَذَكَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَهُ إسْنَادًا آخَرَ وَقَالَ إنَّهُ جَيِّدٌ اهـ.

وَقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةَ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَكَانَتْ مَارِيَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَلَّفِ عَنْهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا عَلَّقَ عِتْقَهَا بِوَفَاتِهِ، وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْتِي السَّبَايَا وَنُحِبُّ أَثْمَانَهُنَّ فَمَا تَرَى فِي الْعَزْلِ؟

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَغْرَاضٍ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ مَنْ قُصِدَ بِهِ) أَيْ بِالْوَطْءِ الْمُؤَدِّي لِلْإِحْبَالِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ أَقْوَى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الثَّوَابِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى عِتْقِ الْمُسْتَوْلَدَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِعْتَاقِ الْمُنَجَّزِ بِاللَّفْظِ، وَمِنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْتِقُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ الْعَتِيقِ عُضْوًا مِنْ الْمُعْتِقِ (قَوْلُهُ أَوْ جَمْعُ أُمٍّ) أَيْ أَوْ هُوَ جَمْعُ أُمٍّ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَوَّلَ) وَهُوَ أُمَّهَاتٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: وَأَنْشَدَ) هَذَا يَجْرِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ: لِلْمَأْمُونِ) أَيْ مِنْ كَلَامِ الْمَأْمُونِ لَا أَنَّهُ خَاطَبَهُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ مَارِيَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَلَّفِ عَنْهُ) أَيْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عِتْقِهَا بِوَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية الرشيدي]

غَيْرِهِ، وَلَا دَخْلَ لِقَوْلِهِ مَشُوبٌ إلَخْ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ فَائِدَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التُّحْفَةِ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ أَقْوَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ قُرْبَةٌ) لَعَلَّ الضَّمِيرَ لِقَضَاءِ أَوْطَارٍ (قَوْلُهُ: وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا لَا يَخْفَى، وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ الْمُنَجَّزُ وَالْمُعَلَّقُ) اُنْظُرْ الْإِيلَادَ مِنْ أَيِّهِمَا (قَوْلُهُ وَالْمُعَلَّقُ) شَمَلَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ لِحَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ أَقْوَى) أَيْ الْعِتْقُ الْمُنَجَّزُ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِتْقَ) أَيْ الْمُنَجَّزُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: جَمْعُ أُمَّهَةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْجَوْهَرِيِّ: الْأُمَّهَةُ أَصْلُ قَوْلِهِمْ أُمٌّ، وَالْجَمْعُ أُمَّهَاتٌ وَأُمَّاتٌ انْتَهَتْ. وَالشَّارِحُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَقُولُ الْجَوْهَرِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت.

(قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ جَمْعِهَا) أَيْ وَالْجَمْعُ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا (قَوْلُهُ: وَأَنْشَدَ الزَّمَخْشَرِيّ لِلْمَأْمُونِ) أَيْ أَنْشَدَ مِنْ شِعْرِ الْمَأْمُونِ، وَإِلَّا فَالْمَأْمُونُ مَاتَ قَبْلَهُ بِأَزْمِنَةٍ كَثِيرَةٍ فَقَدْ مَاتَ الشَّافِعِيُّ فِي زَمَنِهِ (قَوْلُهُ: عَضَّدَ بَعْضُهَا بَعْضًا) أَيْ إنَّ الدَّلِيلَ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِمَجْمُوعِهَا لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمُرَادِ، وَالصَّرِيحُ فِيهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ (قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ «فَمَا تَرَى فِي الْعَزْلِ» ) ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِ الْعَزْلِ وَعَدَمِهِ لَا أَنَّهُ يَسْأَلُهُ عَنْ الْحُكْمِ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَيَدُلُّ لَهُ الْجَوَابُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا» مَعْنَاهُ: أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا سَأَلْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْعَزْلِ بِأَنْ تَنْزِلُوا فِيهِنَّ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِنْزَالِ الْإِحْبَالُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>