للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «فَكَانَ مِنَّا مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَّخِذَ أَهْلًا وَمِنَّا مَنْ يُرِيدُ الْبَيْعَ فَتَرَاجَعْنَا فِي الْعَزْلِ» الْحَدِيثَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْغُرْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ وَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَوْلَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِعَزْلِهِمْ لِأَجْلِ مَحَبَّةِ الْأَثْمَانِ فَائِدَةٌ. وَخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَهُ طُرُقٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا «أُمُّ الْوَلَدِ حُرَّةٌ وَإِنْ كَانَ سِقْطًا» وَخَبَرُ «أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ مِنْهَا سَيِّدُهَا مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَا وَقْفَهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَخَالَفَ ابْنُ الْقَطَّانِ فَصَحَّحَ رَفْعَهُ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.

، وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ " رَبَّهَا " أَيْ سَيِّدَهَا، فَأَقَامَ الْوَلَدَ مَقَامَ أَبِيهِ وَأَبُوهُ حُرٌّ فَكَذَا هُوَ، وَقَدْ اسْتَنْبَطَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْتِنَاعَ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: ٢٢] فَقَالَ: وَأَيُّ قَطِيعَةٍ أَقْطَعُ مِنْ أَنْ تُبَاعَ أُمُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ. وَكَتَبَ إلَى الْآفَاقِ: لَا تُبَاعُ أُمُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ قَطِيعَةٌ وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُطَوَّلًا، وَإِنَّمَا قَدَّمْتُ ذِكْرَ الْأَدِلَّةِ لِأَنَّ رُتْبَةَ الدَّلِيلِ الْعَامِّ التَّقْدِيمُ، وَقَدْ قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ: إنَّ الْمُحَقِّقِينَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ أَوَّلَ الْبَابِ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْقَاعِدَةُ ثُمَّ يُخَرِّجُونَ عَلَيْهِ الْمَسَائِلَ.

(إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مَا يَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ) كَمُضْغَةٍ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ ظَاهِرَةٌ أَوْ خَفِيَّةٌ أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ وَيُعْتَبَرُ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ أَوْ رَجُلَانِ خَبِيرَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ (عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ) لِمَا مَرَّ، وَلِأَنَّ وَلَدَهَا كَالْجُزْءِ مِنْهَا وَقَدْ انْعَقَدَ حُرًّا فَاسْتَتْبَعَ الْبَاقِيَ كَالْعِتْقِ، لَكِنَّ الْعِتْقَ فِيهِ قُوَّةٌ مِنْ حَيْثُ صَرَاحَةِ اللَّفْظِ فَأَثَّرَ فِي الْحَالِ وَهَذَا فِيهِ ضَعْفٌ فَأَثَّرَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَلَيْكُمْ) أَيْ مَا عَلَيْكُمْ ضَرَرٌ فِي عَدَمِ الْعَزْلِ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ» ) أَيْ فِي عِلْمِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ: أَيْ مَخْلُوقَةٌ مُصَوَّرَةٌ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّمَا أَمَةٍ» مُبْتَدَأٌ وَمَا زَائِدَةٌ.

(قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ) أَيْ بَعْدَ آخَرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الدُّبُرُ بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ خِلَافُ الْقُبُلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِآخِرِ الْأَمْرِ دُبُرٌ، وَأَصْلُهُ مَا أَدْبَرَ عَنْهُ الْإِنْسَانُ اهـ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمُّ الْوَلَدِ حُرَّةٌ) أَيْ آيِلَةٌ لِلْحُرِّيَّةِ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَمْتِعُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ) إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْفُتُوحَاتِ وَكَثْرَةِ الْجَوَارِي بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ، وَقِيلَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَطَأُ أَمَتَهُ فَتَحْبَلُ مِنْهُ أَوْ تَلِدُ ثُمَّ يَبِيعُهَا رَغْبَةً فِي ثَمَنِهَا، فَإِذَا كَبِرَ وَلَدُهَا اشْتَرَاهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهَا أُمُّهُ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا وَلَدَتْ سَيِّدَهَا الْمَالِكَ لَهَا صُورَةً (قَوْلُهُ: وَقَدْ اسْتَنْبَطَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) لَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ قَدْ يُؤَوِّلُ الْأَحَادِيثَ بِأَنَّ مَارِيَةَ إنَّمَا حَرُمَ بَيْعُهَا احْتِرَامًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حُرِّمَتْ زَوْجَاتُهُ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: وَكَتَبَ إلَى الْآفَاقِ) أَيْ النَّوَاحِي (قَوْلُهُ وَالْقَاعِدَةُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ إلَخْ) وَفِي خَصَائِصِ الْخَيْضَرِيِّ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَرَتَّبَ عَلَى الِاسْتِيلَادِ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأَمَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَدِلَّةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فِي الْجَوَابِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ) لَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا بَيَّنَ بِهِ الشَّارِحُ الْمُرَادَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَأَبُوهُ حُرٌّ فَكَذَا هُوَ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى حُرِّيَّتِهِمَا (قَوْلُهُ: أَوْ رَجُلَانِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَوَابِلِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ وَلَدَهَا) أَيْ مِمَّنْ لَهُ الْإِعْتَاقُ فَلَا يَرِدُ نَحْوُ الْمَوْطُوءَةِ بِظَنِّ الْحُرِّيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ صَرَاحَةُ اللَّفْظِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>