بِهَا فِي الدُّنْيَا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ (بَالِغٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ (عَاقِلٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ خُلِقَ أَعْمَى أَصَمَّ أَخْرَسَ فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَنْ لَمْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ (طَاهِرٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتهَا مِنْهُمَا، فَمَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا.
لَا يُقَالُ: إنَّ حَمْلَ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى أَضْدَادِ مَنْ ذَكَرَهُ عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ وَعَدَمِ الطَّلَبِ فِي الدُّنْيَا وَرُدَّ الْكَافِرُ أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ وَرُدَّ أَيْضًا أَوْ عَلَى الثَّانِي وَرُدَّ الصَّبِيُّ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَهُوَ مُطَالَبٌ شَرْعًا، إذْ لَوْ لَمْ يُطَالَبْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِلْعِقَابِ عَلَيْهَا سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وُجُوبُ عِقَابٍ عَلَيْهَا) كَسَائِرِ الْفُرُوعِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْآخِرَةِ إلَخْ حَجّ.
وَقَوْلُهُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا: أَيْ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَحُرْمَةِ الزِّنَا، بِخِلَافِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَشُرْبِ مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ النَّبِيذِ وَالْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ إلَخْ) لَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْمُحْتَرَزَاتِ فَإِنَّهَا تَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ إلَخْ.
لِأَنَّا نَقُولُ: مَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ وَمَا هُنَا فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ (قَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) هُوَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خُلِقَ أَعْمَى أَصَمَّ أَخْرَسَ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ أَعْمَى أَصَمَّ نَاطِقًا كَانَ مُكَلَّفًا، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ النُّطْقَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ طَرِيقًا لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، بِخِلَافِ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ فَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِلصَّمَمِ الْخِلْقِيِّ فَلْيُرَاجَعْ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ خُلِقَ إلَخْ مَا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَعْدَ التَّمْيِيزِ، فَإِنْ كَانَ عَرَفَ الْأَحْكَامَ قَبْلَ طُرُوُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى عَدَمِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَيُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَلَهَاتَهُ بِالْقِرَاءَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ اجْتَهَدَ فِيهَا، فَإِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى شَيْءٍ فَعَلَ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِاسْتِقْرَارِهَا فِي ذِمَّتِهِ بِعَدَمِ أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ وَقَوْلُنَا لَهَاتَهُ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: اللَّهَاةُ اللَّحْمَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْحَلْقِ فِي أَقْصَى الْفَمِ وَالْجَمْعُ لَهَى وَلَهَيَاتٌ مِثْلُ حَصَاةٍ وَحَصَى وَحَصَيَاتٍ وَلَهَوَاتٍ أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) أَيْ فَلَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ) لَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، بِخِلَافِ مَنْ خُلِقَ أَعْمَى أَصَمَّ فَإِنَّهُ إنْ زَالَ مَانِعُهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُهْدَرٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَتَكْلِيفُهُ كَتَكْلِيفِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ؟ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى بُعْدٍ، فَإِنَّ الْأَعْمَى الْأَصَمَّ إلَخْ لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْخِطَابِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ.
وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا أُسْقِطَتْ الصَّلَاةُ عَنْ الْكَافِرِ وَهِيَ النَّفْرَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ كَانَ عِنْدَهُ عِنَادٌ زَالَ بِالْإِسْلَامِ، وَرُبَّمَا عَادَ بِالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَيَنْفِرُ عَنْ الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَيْسَ عِنْدَهُ عِنَادٌ يَعُودُ بِالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَيَنْفِرُ عَنْ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِهِ، وَالْمَانِعُ لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ لَيْسَ هُوَ الْعِنَادُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، بَلْ الْمَانِعُ لَهُ هُوَ الْجَهْلُ بِالدَّعْوَةِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ مُسْلِمٍ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ وَعَدَمِ الطَّلَبِ فِي الدُّنْيَا) أَيْ مَجْمُوعِهِمَا وَهُوَ الطَّلَبُ فِي الدُّنْيَا وَالْإِثْمُ فِي الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ وَرُدَّ الْكَافِرُ: أَيْ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَدَمُ الْإِثْمِ إلَخْ وَقَوْلُهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَرَدَ الْكَافِرُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَثِمَ بِالتَّرْكِ فَوُرُودُهُ هُنَا بِالنَّظَرِ لِلشِّقِّ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَرَدَ غَيْرُهُ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ وَرَدَ الصَّبِيّ انْتَهَى: أَيْ؛ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ مِنْهُ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ وَلِيِّهِ، قَالَ سم: بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ، وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ مِنْهُمْ بَلْ مَمْنُوعَةٌ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ.
وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الشَّرْحِ وَرَدَ الصَّبِيُّ وَهِيَ تَصَرُّفٌ مِنْ عِبَارَةِ الْمُعْتَرِضِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ إنَّمَا قَالَ وَرَدَ غَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ كَمَا مَرَّ