للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّا نَقُولُ بِمَنْعِهِ، إذْ الْوُجُوبُ حَيْثُ أَطْلَقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ ثُبُوتًا وَانْتِفَاءُ غَايَةِ مَا فِيهِ أَنَّ فِي الْكَافِرِ تَفْصِيلًا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ فَبَطَلَ الْإِيرَادُ عَلَى أَنَّ دَعْوَاهُ عَدَمَ إثْمِ الْكَافِرِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَدَمِ مُخَاطَبَتِهِ بِالْفُرُوعِ (وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ) إذَا أَسْلَمَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَلِأَنَّهُ لَوْ طُلِبَ مِنْهُ قَضَاءُ عِبَادَاتِ زَمَنِ كُفْرِهِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا لَكَانَ سَبَبًا لِتَنْفِيرِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ خُصُوصًا إذَا مَضَى غَالِبُ عُمْرِهِ فِي الْكُفْرِ، فَلَوْ قَضَاهَا لَمْ تَنْعَقِدْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَعَلَى الثَّانِي: أَيْ عَدَمِ الطَّلَبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ بِمَنْعِهِ) أَيْ الْوُرُودَ (قَوْلُهُ: لِمَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ) وَهُوَ الطَّلَبُ فِي الدُّنْيَا وَالْإِثْمُ فِي الْآخِرَةِ (قَوْلُهُ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ فِي الْكَافِرِ تَفْصِيلًا) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ تَارَةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَتَارَةً لَا يَجِبُ، فَبِاعْتِبَارِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ جَعَلَهُ قِسْمَيْنِ: الْأَصْلِيُّ قِسْمٌ، وَالْمُرْتَدُّ قِسْمٌ وَإِنْ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَمَّا اعْتَرَضَهُ بِهِ سم عَلَى حَجّ حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُهُ تَفْصِيلًا يُتَأَمَّلُ مَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ؟ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ فَفِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَدْخَلَ الْمُرْتَدَّ فِي الْمُسْلِمِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ فِيمَا مَضَى إلَخْ فَلَا يَدْخُلُ حِينَئِذٍ فِي أَضْدَادِ مَنْ ذَكَرَ.

وَالثَّانِي أَنَّ الْوُجُوبَ بِمَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الطَّلَبُ طَلَبًا جَازِمًا ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُكَلَّفُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.

وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ مِنَّا لَهُمْ بِذَلِكَ أَوْ عَدَمُهَا فَأَمْرٌ آخَرُ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْعِقَابِ وَالْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّ الْأَوَّلَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ دُونَ الثَّانِي، فَفِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَارِجٌ عَنْ مَدْلُولِ الْوُجُوبِ شَرْعًا الثَّابِتِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِمَا تَقَرَّرَ، وَإِنْ أُرِيدَ التَّفْصِيلُ فِي الْإِثْمِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إثْمٌ مُطْلَقًا دَائِمًا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ دَعْوَاهُ عَدَمَ إثْمِ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ مَا ذُكِرَ فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ لَمْ يَدَّعِ عَدَمَ إثْمِ الْكَافِرِ بَلْ قَوْلُهُ أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ وَرُدَّ أَيْضًا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِإِثْمِهِ، وَفِي قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى حَاصِلِ مَا قَالَهُ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَضَاهَا إلَخْ) أَيْ عَالِمًا وَعَامِدًا وَإِلَّا وَقَعَتْ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا.

[فَرْعٌ] لَنَا شَخْصٌ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ قَادِرٌ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهَا، وَصُورَتُهُ: أَنْ يَشْتَبِهَ صَغِيرَانِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ ثُمَّ يَبْلُغَا وَيَسْتَمِرَّ الِاشْتِبَاهُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا بَالِغٌ عَاقِلٌ قَادِرٌ وَلَا يُؤْمَرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. قُلْت: فَلَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ الْبُلُوغِ إلَى الْإِسْلَامِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ إسْلَامِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ لَا مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ لِلشَّكِّ فِي اسْتِجْمَاعِ شُرُوطِهَا بَلْ هَذَا فَرْدٌ مِنْ ذَاكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَحَلُّهُ فِيمَنْ شَكَّ إذَا اسْتَمَرَّ شَكُّهُ، فَإِنْ زَالَ تَبَيَّنَّا الْوُجُوبَ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْهُ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِأَنَّا لَمْ نَتَبَيَّنْ عَيْنَ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِمْ مِنْ وَقْتِ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَغَايَتُهُ أَنَّا نَحْكُمُ الْآنَ بِإِسْلَامِهِمَا مَعَ اعْتِقَادِنَا أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ كَافِرًا قَبْلُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ لَهُمَا الْقَضَاءُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ مَاتَا هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِمَا أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمَا وَيُعَلِّقَ النِّيَّةَ سَوَاءٌ مَاتَا مَعَهُ أَوْ مُرَتَّبًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ صِغَرِ الْمَمَالِيكِ حَيْثُ قُلْنَا بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ بِتَحَقُّقِ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَذَلِكَ يُوجِبُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ (قَوْلُهُ: لَمْ تَنْعَقِدْ) خِلَافًا لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ فَإِنَّهُ قَالَ بِانْعِقَادِهَا كَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ سم عَلَى حَجّ.

وَنَقَلَ سم عَنْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِمَنْعِهِ إلَخْ) قَالَ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ: لَعَلَّ الْأَوْجَهَ فِي جَوَابِ هَذَا الْقِيلِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْوُجُوبِ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ مَعَ أَثَرِهِ الَّذِي هُوَ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا وَحِينَئِذٍ يَتَّضِحُ انْتِفَاؤُهُ عَنْ الْأَضْدَادِ بِانْتِفَاءِ جُزْأَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ) أَيْ الطَّلَبِ الْجَازِمِ (قَوْلُهُ: إنَّ فِي الْكَافِرِ تَفْصِيلًا) صَوَابُهُ أَنَّ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلًا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ دَعْوَاهُ عَدَمُ إثْمِ الْكَافِرِ) يُتَأَمَّلُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا ادَّعَى إثْمَهُ حَتَّى أَوْرَدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>