وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ التَّبْدِيلِ وَالْإِبْدَالِ، بِأَنَّ التَّبْدِيلَ تَغْيِيرُ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ مَعَ بَقَاءِ الذَّاتِ، وَالْإِبْدَالُ تَغْيِيرُ الذَّاتِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَلَمَّا كَانَ حَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَوَابِ رَدَّ الِاعْتِرَاضِ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ أَذْكُرْ كَلَامَ مَنْ سَلَّمَ الِاعْتِرَاضَ وَأَجَابَ عَنْهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ اصْطِلَاحٍ حَسَنٍ ابْتَكَرَهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ فَقَالَ (وَمِنْهَا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَالنَّصِّ وَمَرَاتِبِ الْخِلَافِ) قُوَّةً وَضَعْفًا فِي الْمَسَائِلِ (فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ) أَيْ حَالَةَ يُعَبِّرُ فِيهَا بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ أَوْ بِالْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، أَمَّا مَا عَبَّرَ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ بِالنِّسْبَةِ لِبَيَانِ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ أَوْ بِقِيلٍ لِبَيَانِ أَنَّهُ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَوْ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ، أَوْ بَقِيَ قَوْلٌ لِبَيَانِ أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ، أَوْ بِالنَّصِّ لِبَيَانِ أَنَّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّ مُقَابِلَهُ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَوْ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ، أَوْ بِالْجَدِيدِ لِبَيَانِ أَنَّ الْقَدِيمَ خِلَافُهُ، أَوْ بِالْقَدِيمِ أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ لِبَيَانِ أَنَّ الْجَدِيدَ خِلَافُهُ، فَلَمْ يُبَيِّنْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَرَاتِبَ الْخِلَافِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَيَّنَ بِهِ مُرَادَهُ بَعْدُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمُؤَلِّفَ وَفِيٌّ بِمَا الْتَزَمَهُ فِي جَمِيعِ اصْطِلَاحَاتِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ اهـ.
فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ مَرْدُودٌ، وَأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ مَرَاتِبِ الْخِلَافِ أَشْيَاءُ مِنْهَا مَا عَبَّرَ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْجَدِيدِ أَوْ الْقَدِيمِ أَوْ فِي قَوْلِ كَذَا أَوْ قِيلَ كَذَا.
وَمِنْ فَوَائِدِ ذِكْرِ الْمُجْتَهِدِ لِلْقَوْلَيْنِ إبْطَالُ مَا زَادَ لَا الْعَمَلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَبَيَانُ الْمُدْرَكِ، وَأَنَّ مَنْ رَجَّحَ أَحَدَهُمَا مِنْ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ لَا يُعَدُّ خَارِجًا عَنْهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ مُطْلَقًا عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي الِاسْتِبْدَالِ إلَخْ أَنَّ فِيهِمَا التَّفْصِيلَ الَّذِي فِي التَّبْدِيلِ، فَتَدْخُلُ عَلَى الْمَأْخُوذِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَأْخُوذِ وَالْمَتْرُوكِ غَيْرُهُمَا، وَعَلَى الْمَتْرُوكِ إنْ كَانَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا. وَعِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَلْفِيَّةِ الْحَدِيثِ فِي الْعِلَلِ مَا نَصُّهُ: فَالْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ تَشْبِيهًا لِلْإِبْدَالِ بِالتَّبَدُّلِ وَإِلَّا فَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَأْخُوذِ فِي الْإِبْدَالِ كَالتَّبْدِيلِ، وَعَلَى الْمَتْرُوكِ فِي الِاسْتِبْدَالِ وَالتَّبَدُّلِ إنْ لَمْ يُذْكَرْ مَعَ الْمَتْرُوكِ وَالْمَأْخُوذِ غَيْرُهُمَا فِي الْأَرْبَعَةِ اهـ.
وَفِي ابْنِ حَجَرٍ مَا نَصُّهُ: وَإِدْخَالُ الْبَاءِ فِي حَيِّزِ الْإِبْدَالِ عَلَى الْمَأْخُوذِ، وَفِي حَيِّزِ بَدَلٍ وَالتَّبَدُّلُ وَالِاسْتِبْدَالُ عَلَى الْمَتْرُوكِ هُوَ الْفَصِيحُ اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهَا فِي حَيِّزِ كُلٍّ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَالْمَتْرُوكِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَفْصَحِ فَقَطْ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَ الْمَتْرُوكِ وَالْمَأْخُوذِ غَيْرُهُمَا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ التَّبْدِيلِ) وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذَا الْفَارِقُ مَعْنَى الِاسْتِبْدَالِ وَالتَّبَدُّلِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: قُوَّةً وَضَعْفًا) رَاجِعٌ لِمَرَاتِبِ الْخِلَافِ، وَقَوْلُهُ فِي الْمَسَائِلِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ إلَخْ اهـ عَمِيرَةُ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: أَيْ حَالَةَ يُعَبِّرُ) أَيْ النَّوَوِيُّ (قَوْلُهُ: مُرَادُهُ بَعْدُ) أَيْ بِقَوْلِهِ فَحَيْثُ أَقُولُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ) أَيْ لِكَوْنِهِ عَامًّا مَخْصُوصًا بِقَرِينَةٍ بَيَانُهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ: وَبَيَانُ الْمُدْرَكِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْمُدْرَكُ بِضَمِّ الْمِيمِ يَكُونُ مَصْدَرًا وَاسْمَ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، تَقُولُ أَدْرَكْته مُدْرَكًا: أَيْ إدْرَاكًا، وَهَذَا مُدْرَكُهُ: أَيْ مَوْضِعُ إدْرَاكِهِ أَوْ زَمَنُ إدْرَاكِهِ، وَمَدَارُك الشَّرْعِ مَوَاضِعُ طَلَبِ الْأَحْكَامِ، وَهِيَ حَيْثُ يُسْتَدَلُّ بِالنُّصُوصِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ مَدَارِك الشَّرْعِ، وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ فِي الْوَاحِدِ مَدْرَكٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَلَيْسَ لِتَخْرِيجِهِ وَجْهٌ، وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى طَرْدِ الْبَابِ فَيُقَالُ مُفْعَلٌ بِضَمِّ الْمِيمِ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَعَهَا الْمَفْعُولَ الَّذِي هُوَ الضَّمِيرُ فِيهَا كَالَّتِي بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: أَيْ حَالَةَ يُعَبَّرُ فِيهَا بِالْأَظْهَرِ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَمَرَاتِبُ الْخِلَافِ لَيْسَ إلَّا وَصَنِيعُ الْجَلَالِ، وَالشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَرَاتِبِ الْخِلَافِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ إنْ جُعِلَ رَاجِعًا إلَيْهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَيَّنَ بِهِ مُرَادَهُ بَعْدُ) أَيْ فَهُوَ الْقَرِينَةُ عَلَى التَّخْصِيصِ، إذْ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مَجَازٌ قَطْعًا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ (قَوْلُهُ: وَمِنْ فَوَائِدِ ذِكْرِ الْمُجْتَهِدِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْتَهِدِ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ النَّاقِلِ لِأَقْوَالِ الْإِمَامِ، أَوْ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute