لِمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِقَدْرِ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ أَنَّ غَايَتَهَا نَحْوُ ذِرَاعٍ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَكَأَنَّهُمْ رَاعُوا فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ أَنْ يُسَامِتَ فِي سُجُودِهِ الشَّاخِصَ بِمُعْظَمِ بَدَنِهِ لَا اسْتِقْبَالَ نَحْوِ حَشِيشٍ نَابِتٍ وَعَصًا مَغْرُوزَةٍ لِكَوْنِهِ لَا يُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا وَتُخَالِفُ الْعَصَا الْأَوْتَادَ الْمَغْرُوزَةَ فِي الدَّارِ حَيْثُ تُعَدُّ مِنْهَا بِدَلِيلِ دُخُولِهَا فِي بَيْعِهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِغَرْزِهَا لِلْمَصْلَحَةِ فَعُدَّتْ مِنْ الدَّارِ لِذَلِكَ، وَإِنْ جَمَعَ تُرَابَهَا أَمَامَهُ أَوْ نَزَلَ فِي مُنْخَفَضٍ مِنْهَا كَحُفْرَةٍ كَفَى أَخْذًا مِمَّا مَرَّ لِكَوْنِهِ يُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَإِنْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَلَوْ عَلَى نَحْوِ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ شَاخِصٌ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا وَقَفَ فِيهَا وَتَوَجَّهَ إلَى هَوَائِهَا، وَلَوْ خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ بِأَنْ وَقَفَ بِطَرَفِهَا وَخَرَجَ عَنْهُ بَعْضُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ كَالْحَجَرِ فِيمَا يَأْتِي فِيهِ، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِلْبِنَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلرُّكْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ إذَا بَعِدُوا عَنْهَا حَاذَوْهَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ اسْتَدْبَرَهَا نَاسِيًا وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصُرَ، وَإِنْ أَمْيَلَ عَنْهَا قَهْرًا بَطَلَتْ وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ
وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ دُونَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْآحَادِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ مِنْ عَتَبَتِهَا قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ لَكِنْ لَمْ يُحَاذِ أَسْفَلَهُ كَخَشَبَةٍ مُعْتَرِضَةٍ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِاسْتِقْبَالِهِ فِيهَا الْكَعْبَةَ، وَيُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِعَدَمِ اسْتِقْبَالِهِ حِينَئِذٍ فِي بَعْضِ أَفْعَالِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفَلَ فِي الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْهَمْزِ، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْكَثِيرُ آخِرَةُ الرَّحْلِ، وَلَا تَقُلْ مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: لَا اسْتِقْبَالَ نَحْوَ حَشِيشٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا إلَخْ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَا إنْ اسْتَقْبَلَ نَحْوَ حَشِيشٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَمَعَ تُرَابَهَا أَمَامَهُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ أَحْجَارَهَا الْمَقْلُوعَةَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَلَوْ شَكَّ فِي التُّرَابِ هَلْ هُوَ مِنْهَا أَمْ لَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ عَنْهُ بَعْضُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) يُتَأَمَّلْ تَصْوِيرُهُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ أَيَّ جُزْءٍ وَقَفَ فِي مُقَابَلَتِهِ كَانَ مُسْتَقْبِلًا بِبَاقِي بَدَنِهِ لِلْمُجَاوِرِ لَهُ إنْ كَانَ خَارِجَهَا، فَإِنْ وَقَفَ دَاخِلَهَا وَاسْتَقْبَلَ جُزْءًا مِنْهَا بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَهَا بِأَنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ بَابِهَا مَفْتُوحًا لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الزِّيَادِيِّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الصِّحَّةُ فِي هَذِهِ حَيْثُ قَالَ: وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَهَا لَكِنْ تَبَعًا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ حَجّ (قَوْلُهُ كَالْحَجَرِ فِيمَا يَأْتِي) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ) أَيَّ رُكْنٍ كَانَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِلْبِنَاءِ الْمُجَاوِرِ) أَيْ وَهُوَ الَّذِي فِي جَانِبَيْ الرُّكْنِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَصُرَ) أَيْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ عَمْدَهُ مُبْطِلٌ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ لَمْ يُحَاذِ أَسْفَلَهُ) أَيْ مَا اسْتَقْبَلَهُ فِي نُسْخَةٍ لَمْ يُحَاذِ أَسْفَلُهُ أَسْفَلَهُ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ، وَقِيَاسُ الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ وَجَيْبُهُ مَفْتُوحٌ صِحَّةُ إحْرَامِهِ هُنَا إلَى أَنْ يَخْرُجَ عَنْ اسْتِقْبَالِهِ الْخَشَبَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِسُهُولَةِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُمْ رَاعُوا إلَخْ) هَذَا حِكْمَةُ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثَيْ ذِرَاعٍ، وَالْكِفَايَةِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا اسْتِقْبَالَ نَحْوِ حَشِيشٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِمُحْتَرَزِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ وَقَفَ بِطَرَفِهَا وَخَرَجَ عَنْهُ بَعْضُهُ) صُورَتُهُ كَانَ جَعَلَ بَعْضَهُ كَأَحَدِ شِقَّيْهِ مُتَوَجِّهًا إلَى أَحَدِ وَجْهَيْ رُكْنِ الْكَعْبَةِ، وَالشِّقَّ الْآخَرَ مُتَوَجِّهًا لِلْهَوَاءِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ بِأَنْ لَمْ يَنْحَرِفْ إلَى جِهَةِ رُكْنِهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ
(قَوْلُهُ: مِنْ عَتَبَتِهَا) لَيْسَ الْمُرَادُ الْعَتَبَةَ الَّتِي يَطَؤُهَا الدَّاخِلُ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ، بَلْ الْمُرَادُ بِهَا نَحْوُ الْخَشَبَةِ الْآتِيَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي خِلَافُ هَذَا التَّعْبِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute