خَارِجَهَا، وَمِثْلُهُ النَّذْرُ وَالْقَضَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ الرِّيَاءِ، وَكَذَا صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً خَارِجَ الْكَعْبَةِ بِأَنْ لَمْ يَرْجُهَا أَصْلًا أَوْ يَرْجُوهَا دَاخِلَهَا أَوْ دَاخِلَهَا وَخَارِجَهَا، فَإِنْ رَجَاهَا خَارِجَهَا فَقَطْ فَخَارِجَهَا أَفْضَلُ، لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا، كَالْجَمَاعَةِ بِبَيْتِهِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَالنَّافِلَةِ بِبَيْتِهِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَاعِ خِلَافَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهَا.
وَقَدْ نَقَلَ الطُّرْطُوشِيُّ الْمَالِكِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ حَتَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
(وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمَ الْقِبْلَةِ) بِأَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ، أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، أَوْ عَلَى سَطْحٍ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مُعَايَنَتِهَا وَحَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِيهَا لِنَحْوِ ظُلْمَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَ (حُرِّمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ) أَيْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ (وَالِاجْتِهَادُ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ كَالْحَاكِمِ إذَا وَجَدَ النَّصَّ، وَيُمْتَنَعُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْأَخْذُ بِخَبَرِ الْغَيْرِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
التَّدَارُكِ فِيمَنْ أَحْرَمَ مَفْتُوحَ الْجَيْبِ وَعُسْرُهُ هُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ الرِّيَاءِ) الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَفْضَلِيَّتِهَا عَلَى بَقِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَكَذَا صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً إلَخْ، بَلْ قَوْلُهُ الْآتِي الْمُحَافَظَةَ إلَخْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ يَرْجُوهَا) أَيْ أَوْ بِأَنْ يَرْجُوهَا إلَخْ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى لَمْ يَرْجُهَا (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْمَسْجِدِ) أَيْ وَلَوْ الْكَعْبَةُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ نَقَلَ الطُّرْطُوشِيُّ) الطُّرْطُوشِيُّ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ وَالضَّمِّ آخِرُهُ مُهْمَلَةٌ إلَى طَرَطُوسَ مَدِينَةٌ بِالشَّامِ وَبِالْمُعْجَمَةِ آخِرُهُ إلَى طَرْطُوشَةَ مَدِينَةٌ بِالْأَنْدَلُسِ اهـ لُبُّ اللُّبَابِ.
لَكِنْ فِي الَّتِي آخِرُهَا مُعْجَمَةٌ بِضَمِّ الطَّاءَيْنِ وَقَدْ يُفْتَحَانِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: طَرْطُوشَةُ بِالضَّمِّ وَيُفْتَحُ بَلَدٌ بِالْأَنْدَلُسِ اهـ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: سَاكِنُهَا أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ الْمَالِكِيُّ مُصَنِّفُ كِتَابِ سِرَاجِ الْمُلُوكِ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ) أَيْ سَهُلَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ نَالَهُ مَشَقَّةٌ، وَعِبَارَةُ حَجّ: أَيْ بِأَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ خَارِجَهُ وَلَا حَائِلَ أَوْ وَثَمَّ حَائِلٌ أُحْدِثَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ أَحْدَثَهُ غَيْرُهُ تَعَدِّيًا وَأَمْكَنَتْهُ إزَالَتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يُشَاهِدُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَإِلَّا فَبَعْضُ أَمَاكِنِ مَكَّةَ إذَا كَانَ فِيهِ لَا يُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ (قَوْلُهُ: أَيْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ) هُوَ بَيَانٌ لِلتَّعْلِيلِ اصْطِلَاحًا، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ قَبْلُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَمِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مَعَ إمْكَانِ الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الثِّقَةِ (قَوْلُهُ: الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ الْأَخْذُ بِخَبَرِ الْغَيْرِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعْصُومًا، وَمُقْتَضَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْفَرْقِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْقِبْلَةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْيَقِينِ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ وَبِعَدَدِ التَّوَاتُرِ وَلَوْ مِنْ كُفَّارٍ وَصِبْيَانٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُفَسِّرَ التَّقْلِيدَ بِالْأَخْذِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا، وَيَدُلُّ لَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: الْبُعْدِ عَنْ الرِّيَاءِ) هَذَا إنَّمَا عَلَّلُوا بِهِ صَلَاةَ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ.
أَمَّا هُنَا، فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً خَارِجَهَا) أَيْ فَقَطْ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ إلَخْ) الْمُرَادُ بَيْتُ الْإِنْسَانِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ آخِرَ صِفَةِ الصَّلَاةِ لَا الْكَعْبَةُ وَسَيَأْتِي، ثُمَّ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ: أَيْ الْوَارِدِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ التَّفْضِيلُ، وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُرَادُ أَنَّ الطُّرْطُوشِيُّ مَالِكِيٌّ، فَهُوَ قَائِلٌ بِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ
(قَوْلُهُ: وَحَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِيهَا لِنَحْوِ ظُلْمَةٍ) مُرَادُهُ بِالظُّلْمَةِ الظُّلْمَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْمُعَايَنَةِ فِي الْحَالِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّوَصُّلِ