للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مِلْءُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا قَصَمْته وَلَا أُبَالِي» اسْتَعَارَ لِلْكِبْرِيَاءِ الرِّدَاءَ وَلِلْعَظَمَةِ الْإِزَار وَالرِّدَاءُ أَشْرَفُ مِنْ الْإِزَارِ،

وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وُجُوبُ التَّكْبِيرِ قَائِمًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ، وَأَنْ يُسْمِعَ بِهِ نَفْسَهُ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ لَا عَارِضَ عِنْدَهُ مِنْ لَغَطٍ أَوْ غَيْرِهِ.

وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَقْصِرَهُ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ وَأَنْ لَا يُمَطِّطَهُ، وَقِصَرُهُ بِأَنْ يُسْرِعَ بِهِ أَوْلَى وَأَنْ يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرَاتِ الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ، إلَّا أَنْ لَا يَبْلُغَ صَوْتُ الْإِمَامِ جَمِيعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَجْهَرُ بَعْضُهُمْ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِيُبَلِّغَ عَنْهُ، وَلَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَاتٍ نَاوِيًا بِكُلٍّ مِنْهَا الِافْتِتَاحَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالْأَوْتَارِ وَخَرَجَ بِالْأَشْفَاعِ، هَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا أَوْ افْتِتَاحًا، وَإِلَّا فَيَخْرُجُ بِالنِّيَّةِ وَيَدْخُلُ بِالتَّكْبِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِغَيْرِ الْأُولَى شَيْئًا لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ، هَذَا كُلُّهُ مَعَ الْعَمْدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، أَمَّا مَعَ السَّهْوِ فَلَا بُطْلَانَ.

وَلَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ أَحْرَمَ أَوْ لَا فَأَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَنْعَقِدْ، لِأَنَّا نَشُكُّ فِي هَذِهِ النِّيَّةِ أَنَّهَا شَفْعٌ أَوْ وِتْرٌ فَلَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ مَعَ الشَّكِّ، وَهَذَا مِنْ الْفُرُوعِ النَّفِيسَةِ.

وَلَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ فَكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ فَهَلْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا شَاعَ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ هُوَ أَقْدَمُ مِنْ آخَرَ أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْهُ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ مِنْ بَابِ عَلِمَ دُونَ أَنْ يُقَالَ أَعْظَمُ مِنْهُ. فَإِذَا وُصِفَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعْدَ حَذْفِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ دَلَالَةً عَلَى الْعُمُومِ صَارَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ كُلِّ قَدِيمٍ، بِخِلَافِ أَعْظَمَ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَفِي طَبَقَاتِ التَّاجِ السُّبْكِيّ فِي تَرْجَمَةِ الْغَزَالِيِّ فَقَالَ: يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ الْمَقْصُودُ مِنْ كَلِمَةِ التَّكْبِيرِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِالْكِبْرِيَاءِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْجَمَتِهِ بِكُلِّ لِسَانٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ اللَّهُ أَعْظَمُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِمَ عَلِمْت أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ بَيْنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ؟ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ «الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي» وَالرِّدَاءُ أَشْرَفُ مِنْ الْإِزَارِ إلَخْ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ فَمَنْ نَازَعَنِي) أَيْ بِأَنْ حَاوَلَ اتِّصَافَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِأَنْ اعْتَقَدَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَكْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ، بَلْ أَوْ أَنَّهُ عَظِيمٌ وَإِنْ لَمْ يَرَ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ إنْ أَدَّى إلَى اسْتِنْقَاصِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ مُعَيَّنًا، أَمَّا فِي الْحَيَوَانِ مِنْ حَيْثُ الْخَلْقُ فَحَرَامٌ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فِي قِيَامِهِ أَوْ بَدَلَهُ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَقْصِرَهُ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: قَصَرْت الصَّلَاةَ وَمِنْهَا قَصْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ هَذِهِ اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ، قَالَ تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: ١٠١] وَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَفِي حَدِيثِ «أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ» وَفِي لُغَةٍ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ فَيُقَالُ أَقْصَرْتُهَا وَقَصَرْتُهَا اهـ (قَوْلُهُ: أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَقْرَبَ لِاسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِهِ (قَوْلُهُ: الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ) أَيْ وَإِذَا جَهَرَ اُشْتُرِطَ أَنْ يَقْصِدَ بِتَكْبِيرِهِ الذِّكْرَ وَلَوْ مَعَ الْإِعْلَامِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَغَيْرُهَا (قَوْلُهُ: هَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا) أَيْ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَرَدُّدٌ فِي النِّيَّةِ مَعَ طُولٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَعَ السَّهْوِ) أَيْ كَأَنْ نَسِيَ كَوْنَهُ أَحْرَمَ أَوَّلًا فَكَبَّرَ قَاصِدًا الْإِحْرَامَ (قَوْلُهُ: فَأَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ) أَيْ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، فَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِلتَّرَدُّدِ (قَوْلُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ) أَيْ هَذِهِ النِّيَّةُ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ عَنْ قُرْبٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ تَبَيُّنِ انْعِقَادِ صَلَاتِهِ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ) أَيْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ إلَخْ، وَيُمْكِنُ بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ إلَخْ عَلَى مَعْنَى: فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ الْآتِي، وَمُقْتَضَاهُ الْبَقَاءُ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَخْ (قَوْلُهُ: فَكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ) أَيْ الْإِمَامُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

يُقَالُ: فُلَانٌ أَكْبَرُ مِنْ فُلَانٍ: أَيْ أَقْدَمُ مِنْهُ فِي الزَّمَانِ

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ) هَذَا لَمْ يُعْلَمْ مِمَّا تَقَدَّمَ فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ إذْ النُّطْقُ لَا يَسْتَلْزِمُ إسْمَاعَ نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>