للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشُّرُوطِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ، وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ نَظَائِرِهِ وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُؤَاخَذَتِهِ بِمَا مَضَى فِي زَمَنِ صِبَاهُ، وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ تَعْلِيمُ غُلَامِهِ الْعَرَبِيَّةَ لِأَجْلِ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ أَوْ تَخْلِيَتُهُ لِيَكْتَسِبَ أُجْرَةَ مُعَلِّمِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْهُ وَاسْتَكْسَبَهُ عَصَى بِذَلِكَ.

أَمَّا الْعَاجِزُ لِنَحْوِ خَرَسٍ فَيَجِبُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ وَلَهَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إمْكَانِهِ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَكَذَا حُكْمُ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِذَلِكَ مَنْ طَرَأَ خَرَسُهُ أَوْ خَبِلَ لِسَانُهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ الْقِرَاءَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ فَهُوَ وَاضِحٌ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ وَلَهَوَاتِهِ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى مَخَارِجِ الْحُرُوفِ، وَيَكُونُ كَنَاطِقٍ انْقَطَعَ صَوْتُهُ فَيَتَكَلَّمُ بِالْقُوَّةِ وَلَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ، وَإِنْ أَرَادُوا أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَعِيدٌ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْأَوَّلُ، وَإِلَّا لَأَوْجَبُوا تَحْرِيكَهُ عَلَى النَّاطِقِ الَّذِي لَا يُحْسِنُ شَيْئًا إذْ لَا يَتَقَاعَدُ حَالُهُ عَنْ الْأَخْرَسِ خِلْقَةً، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يُرِيدَ الْأَئِمَّةُ مَنْ طَرَأَ خَرَسُهُ فَأَقَلُّ الدَّرَجَاتِ أَنْ يُقَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يُسْمِعَ الْأَخْرَسَ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ بِحَيْثُ يَحْفَظُهُمَا بِقَلْبِهِ.

(وَيُسَنُّ) لِلْمُصَلِّي وَلَوْ امْرَأَةً (رَفْعُ يَدَيْهِ) وَإِنْ اضْطَجَعَ (فِي تَكْبِيرِهِ) لِلْإِحْرَامِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ مُسْتَقْبِلًا بِكَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ مُمِيلًا أَطْرَافَ أَصَابِعِهِمَا نَحْوَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ، وَإِنْ ذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ غَرِيبٌ كَأَشْغَالِهِمَا.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِكَرَاهَةِ خِلَافِهِ مُفَرِّقًا أَصَابِعَهُ تَفْرِيقًا وَسَطًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هُنَا الْكَفَّانِ وَيَرْفَعُهُمَا (حَذْوَ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ مُقَابِلَ (مَنْكِبَيْهِ) بِحَيْثُ يَكُونُ رَأْسُ إبْهَامَيْهِ مُقَابِلًا شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، وَرَأْسُ بَقِيَّةِ أَصَابِعِهِ مُقَابِلًا لِأَعْلَى أُذُنَيْهِ، وَكَفَّاهُ مُقَابِلَتَيْنِ لِمَنْكِبَيْهِ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ جَمَعَ بِهَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي ذَلِكَ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، بَلْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى الرَّفْعَ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ، وَحِكْمَتُهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إعْظَامُ إجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَجَاءُ ثَوَابِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوَجْهُ الْإِعْظَامِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَإِنْ طَالَ كَمَنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَوْرًا لَمْ يَبْعُدْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ إلَخْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ قَوْلِهِ مِنْ التَّمْيِيزِ فَيَكُونُ مِنْ الْبُلُوغِ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَخْلُصُ مِنْ الْإِثْمِ بِتَعْلِيمِهِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْهُ وَاسْتَكْسَبَهُ) أَيْ فَحَيْثُ لَمْ يَسْتَكْسِبْهُ فَلَا عِصْيَانَ لِإِمْكَانِ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَلَوْ بِإِيجَارِ نَفْسِهِ.

وَلَا يُقَالُ: الْعَبْدُ لَا يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ.

لِأَنَّا نَقُولُ: الشَّرْعُ جَعَلَ لَهُ الْوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا يَضْطَرُّ إلَيْهِ وَهَذِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْجَأَهُ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَهَاتِهِ بِالْقِرَاءَةِ) وَهِيَ الْهَنَةُ الْمُنْطَبِقَةُ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْفَمِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ (قَوْلُهُ: أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ أَرَادُوا مَا يَشْمَلُ الْخَرَسَ الطَّارِئَ وَالْأَصْلِيَّ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْأَوَّلُ) أَيْ مَنْ طَرَأَ خَرَسُهُ، وَخَرَجَ بِهِ الْخِلْقِيُّ فَلَا يَجِبُ مَعَهُ تَحْرِيكُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْحُرُوفِ حَتَّى يُحَرِّكَ لِسَانَهُ بِهِ، فَلَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُرُوفِ لَمْ تَبْطُلْ، كَمَا لَوْ حَرَّكَ أَصَابِعَهُ فِي حَكٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ حَرَكَاتٌ خَفِيفَةٌ وَهِيَ لَا تُبْطِلُ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَفِي سم عَلَى بَهْجَةٍ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا اهـ.

وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ وَيُقَالُ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ نَعَمْ إنْ فُرِضَ تَصَوُّرُهُ لِلْحُرُوفِ كَأَنْ سَمِعَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَانْتَقَشَ فِي ذِهْنِهِ صُوَرُ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وَجَبَ التَّحْرِيكُ.

(قَوْلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْمُحَدِّثِينَ (قَوْلُهُ: وَحِكْمَتُهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ مُطَّرِدَةٌ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الرَّفْعُ (قَوْلُهُ: إعْظَامُ إجْلَالِ) هُمَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَاسْتَكْسَبَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الْعِصْيَانِ، بَلْ الْعِصْيَانُ ثَابِتٌ إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَمْ يُخِلَّهُ لِيَكْتَسِبَ أُجْرَةَ الْمُعَلِّمِ كَأَنْ حَبَسَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمَهُ قَبْلَ هَذَا

(قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الْإِعْظَامِ إلَخْ) سَكَتَ عَنْ وَجْهِ رَجَاءِ الثَّوَابِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ رَجَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>