فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ بَعْضُ آيَةٍ، فَإِنْ عَرَفَ مَعَ الذِّكْرِ آيَةً مِنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا مِنْهَا أَتَى بِهَا، ثُمَّ بِالذِّكْرِ تَقْدِيمًا لِلْجِنْسِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ عَرَفَ بَعْضَ آيَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي تِلْكَ دُونَ هَذِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَخَالَفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَجَزَمَ بِعَدَمِ لُزُومِهِ فِيهِمَا قَالَ: لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ: أَيْ مَعَ كَوْنِهِ بَعْضَ آيَةٍ، وَإِلَّا فَالْآيَةُ وَالْآيَتَانِ بَلْ وَالثَّلَاثُ الْمُتَفَرِّقَةُ لَا إعْجَازَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِهَا، هَذَا وَلَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ وَفِيمَا زَعَمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مِنْ أَحْسَنِ مُعْظَمِ آيَةِ الدِّينِ أَوْ آيَةِ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِرَاءَتُهُ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْآيَاتِ الْقِصَارِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لِمَا لَا يُحْسِنُهُ مِنْهَا بَدَلًا كَرَّرَهُ لِيَبْلُغَ سَبْعًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي أَثْنَاءِ الْبَدَلِ أَوْ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ الْبَدَلُ وَأَتَى بِهَا أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ أَجْزَأَهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قُدْرَتُهُ عَلَى الذِّكْرِ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ وَقْفَةٌ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَهَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالْفَاتِحَةِ، بَلْ يَطَّرِدُ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّشَهُّدِ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُتَوَالِيَةِ التَّوَالِي عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ فَيُسْتَفَادُ التَّرْتِيبُ مَعَ التَّوَالِي جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ عَبَّرَ بِالْمُرَتَّبَةِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهَا التَّوَالِي.
(فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْقُرْآنِ (أَتَى بِذِكْرٍ) كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ دُعَاءٍ أُخْرَوِيٍّ كَمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ بَعْضُ آيَةٍ) هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ: إنَّ بَعْضَ الْآيَةِ لَا يَجِبُ قِرَاءَتُهُ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَرَفَ بَعْضَ آيَةٍ لَزِمَهُ) وَعَلَيْهِ فَيُشْكِلُ قَوْلُهُ قَبْلُ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ بَعْضُ آيَةٍ (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ) وَهِيَ مَا لَوْ عَرَفَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ وَعَرَفَ لِبَعْضِهَا الْآخَرِ بَدَلًا، وَقَوْلُهُ دُونَ هَذِهِ: أَيْ قَوْلُهُ فَإِنْ عَرَفَ مَعَ الذِّكْرِ آيَةً إلَخْ (قَوْلُهُ: هَذَا وَلَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْعُبَابِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ كَلَامًا وَتَعَقَّبَهُ بِمَا يُخَالِفُهُ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ إلَخْ) أَيْ وَحَيْثُ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا ذَلِكَ قَرَأَهُ، فَإِنْ بَلَغَ عَدَدَ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا كَرَّرَهُ بِعَدَدِ حُرُوفِهَا (قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ لِيَبْلُغَ سَبْعًا) وَانْظُرْ لَوْ عَرَفَ بَدَلَ بَعْضِ مَا لَا يُحْسِنُهُ مِنْهَا كَأَنْ عَرَفَ مِنْهَا آيَتَيْنِ وَقَدَرَ عَلَى ثَلَاثٍ مِنْ الْبَدَلِ أَوْ عَكْسِهِ، فَهَلْ الَّذِي يُكَرِّرُهُ مِمَّا يُحْسِنُهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْبَدَلِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الَّذِي يُكَرِّرُهُ مِنْ الْبَدَلِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ بِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ أَصْلًا وَبَدَلًا بِلَا ضَرُورَةٍ، وَهُنَا لَا ضَرُورَةَ إلَى تَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلٌ حَقِيقَةً، وَيُحْتَمَلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْبَدَلَ حِينَئِذٍ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِ فِي وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِهِ عَيْنًا (قَوْلُهُ: وَقَبْلَ الرُّكُوعِ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الرُّكُوعِ كَمَا صَرَّحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ وَقْفَةٌ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ وَقْفَةٍ تَسَعُهَا فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ بَدَلٌ وَقَدْ تَمَّ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى جَعْلِ الْوُقُوفِ بَدَلًا مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ وَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ كَتَرْتِيبِ الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ دُعَاءٍ) عَطْفُ الدُّعَاءِ عَلَى الذِّكْرِ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا، فَالذِّكْرُ مَا دَلَّ عَلَى ثَنَاءٍ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالدُّعَاءُ مَا دَلَّ عَلَى طَلَبٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَهُوَ أُخْرَوِيٌّ، وَإِنْ كَانَ نَفْعًا دُنْيَوِيًّا فَهُوَ دُنْيَوِيٌّ، لَكِنْ فِي حَجّ فِي الْخُطْبَةِ مَا نَصُّهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَا وَجَدْته
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ) أَيْ: الَّذِي هُوَ تَقْدِيمُ الْبَسْمَلَةِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تَقْدِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْقُرْآنُ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ.
وَلَا يُقَالُ: سَيَأْتِي أَنَّهُ بَعْضُ آيَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا جَوَابٌ آخَرُ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى حِدَتِهِ عَلَى أَنَّ ذَاكَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْآتِي، وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ) يَعْنِي: فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْفُوظُ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَقَوْلُهُ دُونَ هَذِهِ: يَعْنِي: فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْفُوظُ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَحَلُّ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: دُونَ هَذِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعْظَمَ آيَةِ الدَّيْنِ أَوْ نَحْوَهَا، وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ كَمَا يَأْتِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute