اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكُلُّهَا مُجْزِئَةٌ يَتَأَدَّى بِهَا الْكَمَالُ، وَأَصَحُّهَا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (وَأَقَلُّهُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَسَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) لِوُرُودِ إسْقَاطِ الْمُبَارَكَاتِ وَمَا يَلِيهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ إسْقَاطَ الْمُبَارَكَاتِ مُسَلَّمٌ لِثُبُوتِ الْإِسْقَاطِ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ فَلَمْ يَرِدْ إسْقَاطُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ التَّشَهُّدَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِعَدَمِ وُرُودِ حَذْفِهِمَا، وَعَلَّلَ الْجَوَازَ بِتَبَعِيَّتِهِمَا لِلتَّحِيَّاتِ وَجَعَلَ ضَابِطَ جَوَازِ الْحَذْفِ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إمَّا الْإِسْقَاطُ فِي رِوَايَةٍ، وَإِمَّا التَّبَعِيَّةُ، يُرَدُّ بِاحْتِمَالِ سُقُوطِهَا فِي غَيْرِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ نَافٍ وَالْمُصَنِّفَ مُثْبِتٌ، وَالثَّانِي مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَتَعْرِيفُ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ تَنْكِيرِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَخْبَارِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَلِزِيَادَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ التَّحَلُّلَ،
وَلَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ أَوَّلَ التَّشَهُّدِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَالتَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ: مَا يُحَيَّى بِهِ مِنْ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ التَّحِيَّاتِ مِنْ خَلْقِهِ، وَجُمِعَتْ لِأَنَّ كُلَّ مَلِكٍ كَانَ لَهُ تَحِيَّةً مَعْرُوفَةً يُحَيَّى بِهَا، وَمَعْنَى الْمُبَارَكَاتِ النَّامِيَاتُ، وَالصَّلَوَاتُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالسَّلَامُ قِيلَ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَعِبَارَتُهُ: وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِإِبْطَالِ زِيَادَةِ يَا قَبْلَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فِي التَّشَهُّدِ أَخْذًا بِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ هُنَا، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الذِّكْرِ بَلْ يُعَدُّ مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَا بُطْلَانَ بِهِ اهـ.
وَأَقَرَّهُ سم عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ لَا بُطْلَانَ) : أَيْ وَإِنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا (قَوْلُهُ: وَالْمُصَنِّفُ مُثْبِتٌ) ظَاهِرُهُ فِي الْكُلِّ، وَعِبَارَةُ حَجّ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلِوُرُودِ إسْقَاطِ الصَّلَوَاتِ قَالَ غَيْرُهُ وَالطَّيِّبَاتُ اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَنْقُلْ إسْقَاطَ الطَّيِّبَاتِ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ تَنْكِيرِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ اللَّامَ وَالتَّنْوِينَ مَعًا ضَرَّ، وَفِي حَجّ مَا نَصُّهُ: إذَا تَرَكَ تَشْدِيدَ النَّبِيِّ ضَرَّ، بِخِلَافِ حَذْفِ تَنْوِينِ سَلَامٍ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ لَحْنٍ غَيْرُ مُغَيِّرٍ لِلْمَعْنَى اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ مِنْ اللَّحْنِ بَلْ هُوَ مِنْ حَذْفِ بَعْضِ الْحُرُوفِ، وَذَلِكَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُغَيِّرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ التَّنْوِينَ حَرْفٌ فِي الْكَلِمَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْعِبْرَةُ بِاللَّفْظِ بِمِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ الْخَطُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ التَّنْوِينَ وَيَحْتَاجُ لِتَوْجِيهٍ وَاضِحٍ اهـ سم.
فِي شَرْحِ الْغَايَةِ بِالْمَعْنَى، وَنَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ الْجَزْمَ بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ عُمُومِ حَاشِيَتِهِ حَيْثُ قَالَ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَنْوَارِ أَنْ يُرَاعِيَ هُنَا التَّشْدِيدَ وَعَدَمَ الْإِبْدَالِ وَغَيْرَهُمَا نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ.
أَقُولُ: وَقَدْ يُوَجَّهُ مَا قَالَهُ حَجّ مِنْ جَوَازِ حَذْفِ التَّنْوِينِ بِأَنَّ التَّنْوِينَ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي الْوَصْلِ لَكِنَّهُ يَسْقُطُ وَقْفًا، وَوَصْلُ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ بِبَعْضٍ لَا يَجِبُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ، فَإِسْقَاطُهُ فِي الْوَصْلِ لَيْسَ بِلَحْنٍ مُغَيِّرٍ لِلْمَعْنَى، وَلَا فِيهِ إسْقَاطُ حَرْفٍ لَازِمٍ فِي الْحَالَيْنِ،
وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي عَنْ سم عَلَى مَنْهَجٍ فِي الثَّانِي عَشَرَ وَمِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّامِ وَالتَّنْوِينِ وَلَا يَضُرُّ فِي سَلَامِ التَّحَلُّلِ عَدَمُ الضَّرَرِ هُنَا أَيْضًا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ أَوَّلَ التَّشَهُّدِ) عِبَارَةُ حَجّ: وَلَا يُسَنُّ أَوَّلُهُ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ قَبْلُ وَالْخَبَرُ فِيهِ ضَعِيفٌ اهـ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ التَّحِيَّاتِ مِنْ خَلْقِهِ) أَيْ مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمٌ شَرْعًا لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ اعْتَادُوا نَوْعًا مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الشَّرْعِ كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَا (قَوْلُهُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ) أَيْ هِيَ الصَّلَوَاتُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) مِنْهُ كُلُّ صَلَاةٍ، وَقِيلَ الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ الدُّعَاءُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: ٦١] وَلِتَأَخُّرِهِ عَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ (قَوْلُهُ: لِوُرُودِ إسْقَاطِ الْمُبَارَكَاتِ إلَخْ) أَيْ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ مَرْجِعٌ لِلضَّمَائِرِ الْآتِيَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْ ذِكْرَهُ
(قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ ضَعْفَهُ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فَلَعَلَّهُ شَدِيدُ الضَّعْفِ (قَوْلُهُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ) هَذَا التَّفْسِيرُ ظَاهِرٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّتِي فِيهَا الْعَطْفُ. أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ