صَبِيًّا يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْمَنْعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِصْيَانٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمَكَانِ مَا لَوْ كَثُرَ ذَرْقُ الطُّيُورِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَا الْفُرُشُ فِيمَا يَظْهَرُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا فِيمَا يَظْهَرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ كَمَا قَيَّدَ الْعَفْوَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَيْدٌ مُتَعَيَّنٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ رَطْبًا أَوْ رِجْلُهُ مُبْتَلَّةٌ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُكَلَّفُ تَحَرِّيَ غَيْرِ مَحَلِّهِ.
وَلَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ بِغَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُطَهِّرُهُ بِهِ وَجَبَ قَطْعُ مَحَلِّهِ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَوْقَ أُجْرَةِ سُتْرَةٍ يُصَلِّي بِهَا لَوْ اكْتَرَاهَا كَمَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ الصَّوَابَ اعْتِبَارُ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ لَوْ اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَةِ غَسْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ، وَأَنْكَرَ الشَّاشِيُّ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ: الْوَجْهُ أَنْ يَعْتَبِرَ ثَمَنَ الثَّوْبِ لَا أُجْرَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَقَيَّدَا وُجُوبَ الْقَطْعِ أَيْضًا بِحُصُولِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالطَّاهِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَوَلِّي، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بِنَاءٍ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(وَلَوْ) (اشْتَبَهَ) عَلَيْهِ (طَاهِرٌ وَنَجِسٌ) مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ (اجْتَهَدَ) فِيهِمَا لِلصَّلَاةِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ كَمَا فِي الْأَوَانِي وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ثَمَّ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَنَّاطِيِّ: قَدِمَ بَغْدَادَ فِي أَيَّامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: إنَّهُ مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَقَوْلُهُ هُنَا وَبِهِ أَفْتَى الْحَنَّاطِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَهُ تَبَعًا لِلْحَنَّاطِيِّ، أَوْ قَالَهُ فَوَافَقَهُ قَوْلُ الْحَنَّاطِيِّ، وَقَوْلُهُ: الْحَنَّاطِيُّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ: هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ الطَّبَرِيُّ، وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ: مَعْنَاهُ الْحَنَّاطُ كَالْخَبَّازِ وَالْبَقَّالِ، وَلَكِنَّ الْعَجَمَ يَزِيدُونَ عَلَيْهِ يَاءَ النَّسَبِ أَيْضًا فَيُعَبِّرُونَ مَثَلًا عَنْ الَّذِي يُقَصِّرُ الثِّيَابَ بِالْقَصَّارِ مَرَّةً وَبِالْقَصَّارِي أُخْرَى. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: لَعَلَّ أَنَّ بَعْضَ أَجْدَادِهِ كَانَ يَبِيعُ الْحِنْطَةَ. اهـ بِاخْتِصَارٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ رَطْبًا) أَيْ فَمَعَ الرُّطُوبَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْمَشْيُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعِ طَهَارَتِهِ كَأَنْ تَوَضَّأَ مِنْ مَطْهَرَةٍ عَمَّ ذَرْقُ الطَّيْرِ الْمَذْكُورِ سَائِرَ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ الْمُتَّصِلِ بِهَا، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ الْعَفْوُ. أَقُولُ: وَهُوَ قَرِيبٌ لِلْمَشَقَّةِ (قَوْلُهُ: وَمَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: لَا يُكَلَّفُ تَحَرِّي غَيْرِ مَحَلِّهِ) أَيْ فَحَيْثُ كَثُرَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا يُكَلَّفُ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ خَالِيًا مِنْهُ وَيُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ لَا يُكَلَّفُهُ بَلْ يُصَلِّي كَيْفَ اتَّفَقَ، وَإِنْ صَادَفَ مَحَلَّ ذَرْقِ الطَّيْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ عَمَّ الذَّرْقُ الْمَحَلَّ، فَلَوْ اشْتَمَلَ الْمَسْجِدُ مَثَلًا عَلَى جِهَتَيْنِ إحْدَاهُمَا خَالِيَةٌ مِنْ الذَّرْقِ وَالْأُخْرَى مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِ وَجَبَ قَصْدُ الْخَالِيَةِ لِيُصَلِّيَ فِيهَا إذْ لَا مَشَقَّةَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: ثَمَنَ الثَّوْبِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ ثَمَنُ ثَوْبٍ يَشْتَرِيهِ مِمَّا يُمْكِنُ الِاسْتِتَارُ بِهِ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ الثَّوْبَ الْمُتَنَجِّسَ إذَا قُطِعَ
[حاشية الرشيدي]
رَتَّبَ هَذَا عَلَى خَبَرِ «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ» وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَكَانِهَا، وَأَيْضًا اشْتِرَاطُ عَدَمِ تَعَمُّدِ الْمَشْيِ عَلَيْهَا مَعَ الْجَفَافِ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا فِيهَا، وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِلتَّعْبِيرِ بِالْمَشْيِ هُنَا إذْ لَا مَشْيَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَصِحُّ إرَادَةُ الْمَشْيِ إلَى مَحَلِّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إنْ كَانَتْ رَطْبَةً فَالْكَلَامُ عَلَيْهَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَتْ جَافَّةً فَإِنْ عَلِقَتْ بِرِجْلِهِ خَرَجَ عَنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَحَلِّ إلَى نَجَاسَةِ الْبَدَنِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَقْ بِرِجْلِهِ فَلَا تَضُرُّهُ فِي صَلَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِعَيْنِهَا فِي شَرْحِهِ لِإِيضَاحِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَنَاسِكِ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّوَافِ، فَلَعَلَّهُ نَقَلَ الْعِبَارَةَ بِرُمَّتِهَا إلَى هُنَا، وَلَمْ يُغَيِّرْ لَفْظَ الْمَشْيِ لِسَبْقِ الْقَلَمِ أَوْ نَحْوِهِ، وَسَتَأْتِي لَهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute