الْأَوْصَافِ عَلَى الْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ حُكِمَ بِطَهُورِيَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الْخَلِيطُ نَجِسًا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ اُعْتُبِرَ بِأَشَدِّ الصِّفَاتِ كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ لِغِلَظِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لَا يُغَيِّرُ، فَكَانَ كَالْحُكُومَةِ لِمَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهَا فِي الْحَدِّ بِنَفْسِهِ قَدَّرْنَاهُ رَقِيقًا لِنَعْلَمَ قَدْرَ الْوَاجِبِ.
فَإِنْ لَمْ يُؤْثِرْ فَهُوَ طَهُورٌ وَلَهُ اسْتِعْمَالُ كُلِّهِ، وَيَلْزَمُهُ تَكْمِيلُ الْمَاءِ النَّاقِصِ عَنْ طَهَارَتِهِ الْوَاجِبَةِ بِهِ إنْ تَعَيَّنَ، لَكِنْ لَوْ انْغَمَسَ فِيهِ جُنُبٌ نَاوِيًا وَهُوَ قَلِيلٌ صَارَ مُسْتَعْمَلًا كَمَا لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّجَاسَةَ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ جَعَلْنَا الْمُسْتَهْلَكَ كَالْمَاءِ فِي إبَاحَةِ التَّطْهِيرِ بِهِ، وَلَمْ نَجْعَلْهُ كَذَلِكَ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ عَنْ نَفْسِهِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ وَعَدَمِ صَيْرُورَتِهِ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْغِمَاسِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَفْعَ النَّجَاسَةِ مَنُوطٌ بِبُلُوغِ الْمَاءِ قُلَّتَيْنِ، وَمَعْرِفَةُ بُلُوغِ الْمَاءِ لَهُمَا مُمْكِنَةٌ مَعَ الِاخْتِلَاطِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، وَرَفْعُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ مَنُوطٌ بِاسْتِعْمَالِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ، وَمَعَ الِاسْتِهْلَاكِ الْإِطْلَاقُ ثَابِتٌ، وَاسْتِعْمَالُ الْخَالِصِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَكْلِيفٌ، وَاكْتُفِيَ بِالْإِطْلَاقِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ الْمُتَغَيِّرَ الْمَذْكُورَ أَوْ نَحْوَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُعْتَبَرُ أَوْسَطَ الصِّفَاتِ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ صِفَةَ الْوَاقِعِ، فَمَاءُ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ يُفْرَضُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ اللَّاذَنِ، وَعَلَى كَلَامِ الرُّويَانِيِّ يُعْتَبَرُ بِمَاءِ وَرْدٍ لَهُ رَائِحَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُخَالِطِ، وَقَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ عَرَضٍ إلَخْ قَدْ يُخَالِفُ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ فَرْضُ وَصْفِ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودِ إلَّا أَنْ يَخُصَّ مَا هُنَا بِمَا لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي الْأَصْلِ لَهُ الصِّفَاتُ الثَّلَاثَةُ وَفُقِدَتْ، أَوْ لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ كَالْمُسْتَعْمَلِ فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ: حُكِمَ بِطَهُورِيَّتِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهُورِيَّتِهِ إلَّا بَعْدَ فَرْضِ الْأَوْصَافِ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ مَا نَصُّهُ يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: كَلَوْنِ الْحِبْرِ) وَسَكَتَ عَنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرُّويَانِيِّ وَلَا مَانِعَ مِنْ مَجِيئِهِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ هُنَا لِلِاسْتِطْرَادِ وَإِلَّا فَمَحَلُّهَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ فَإِنَّ غَيْرَهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِغَيْرِهِ) أَيْ الْخَلِيطُ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ) أَيْ الْخَلِيطُ (قَوْلُهُ: عَنْ طَهَارَتِهِ الْوَاجِبَةِ بِهِ) أَيْ الطَّاهِرُ الَّذِي لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمَاءِ بِاخْتِلَاطِهِ بِهِ لَا حِسًّا وَلَا تَقْدِيرًا (قَوْلُهُ: إنْ تَعَيَّنَ) أَيْ مَا لَمْ تَزِدْ مُؤْنَتُهُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ الْمَفْقُودِ كَمَا يُصَرَّحُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ وَمَاءِ وَرْدٍ تَوَضَّأَ بِكُلٍّ مَرَّةً (قَوْلُهُ: صَارَ مُسْتَعْمَلًا) أَيْ وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَاءً مَا لَوْ قَالَ هَذَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ مُزِجَ بِغَيْرِهِ وَتَغَيَّرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هَذَا الْمَاءُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِهِ إذَا شَرِبَهُ عَلَى حَالَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مُزِجَ بِسُكَّرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِحَيْثُ تَغَيَّرَ كَثِيرًا وَهَذَا التَّفْصِيلُ يُؤْخَذُ مِمَّا لَوْ حَلَفَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ حَيْثُ فَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ مَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ صُورَتِهَا فَصَارَتْ دَقِيقًا أَوْ خُبْزًا وَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنْهَا إذَا صَارَتْ دَقِيقًا أَوْ خُبْزًا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَشَارَ إلَيْهِ قَبْلَ الْمَزْجِ فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدَهُ فَهَلْ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ مِنْهُ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَمْ يُوجَدْ فَلَا نَظَرَ لِلْإِشَارَةِ بِالصُّورَةِ الْحَاضِرَةِ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ كَمَا لَوْ قَالَ نَوَيْت الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ هَذَا وَبَانَ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ حَيْثُ عَلَّقَ الْإِشَارَةَ بِالصُّورَةِ الْحَاضِرَةِ (قَوْلُهُ: الْمُتَغَيِّرَ الْمَذْكُورَ) أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرِيًّا وَمِنْهُ الْمَمْزُوجُ بِالسُّكَّرِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ)
[حاشية الرشيدي]
اُعْتُبِرَ وَصْفُ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودِ.
وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ وَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَرِيحِ اللَّاذَنِ فَلَا يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ إلَى أَنْ قَالَ وَاعْتَبَرَ الرُّويَانِيُّ الْأَشْبَهَ بِالْخَلِيطِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ صِفَةَ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودَةَ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَلَهُ اسْتِعْمَالٌ كُلُّهُ إلَخْ) فِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ فَالضَّمِيرُ فِي كُلِّهِ لِمَجْمُوعِ الْمَاءِ، وَالْمُخَالِطِ وَفِي بِهِ لِخُصُوصِ الْمُخَالِطِ وَفِي فِيهِ وَمَا بَعْدَهُ لِخُصُوصِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: إنْ تَعَيَّنَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَةُ الْمَائِعِ عَلَى ثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ هُنَاكَ فَهَذَا الِاشْتِرَاطُ قَيْدٌ زَائِدٌ عَلَى التَّعْيِينِ الْمَذْكُورِ لَا تَفْسِيرَ لَهُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَلِيلٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute