فِي كَثْرَتِهِ، فَلَوْ زَالَ بَعْضُ التَّغَيُّرِ الْفَاحِشِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ وَشَكَّ فِي قِلَّةِ الْبَاقِي عَنْ التَّغَيُّرِ فَطَهُورٌ أَيْضًا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَقَوْلِي فِي الطَّهَارَةِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ لِلرَّدِّ عَلَى دَعْوَى الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ الْأَوْلَى حَذْفُ الْمِيمِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا مُتَغَيِّرٍ بِمُكْثٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ وَلَا مُتَغَيِّرٍ بِمُجَاوِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ هُوَ الْمَاءُ وَهُوَ لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ بَلْ الْمُضِرُّ التَّغَيُّرُ (وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ) بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ مَعَ إسْكَانِ كَافِهِ وَإِنْ فَحُشَ لِلْإِجْمَاعِ.
قَالَ الْعُمْرَانِيُّ: وَلَا تُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِهِ (وَطِينٌ وَطُحْلُبٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَعَ ضَمِّ ثَالِثِهِ أَوْ فَتْحِهِ شَيْءٌ أَخْضَرُ يَعْلُو الْمَاءَ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمُقِرِّ الْمَاءِ وَمَمَرِّهِ أَوْ لَا، نَعَمْ إنْ أَخَذَ وَدَقَّ ثُمَّ طُرِحَ ضَرَّ لِكَوْنِهِ مُخَالِطًا مُسْتَغْنًى عَنْهُ (وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ) أَيْ مَوْضِعِ قَرَارِهِ وَمُرُورِهِ لِعَدَمِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْمَقَرِّ وَالْمَمَرِّ مَا كَانَ خَلْقِيَّا فِي الْأَرْضِ أَوْ مَصْنُوعًا فِيهَا بِحَيْثُ صَارَ يُشْبِهُ الْخَلْقِيَّ، بِخِلَافِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا لَا بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَاءَ يُسْتَغْنَى عَنْهُ
وَيَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ بِسَبَبِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
غَيْرَ الْمُتَفَتِّتِ إذَا طُرِحَ ثُمَّ تَفَتَّتَ لَا يَضُرُّ، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِيمَا يَضُرُّ وَوَرَقٌ طُرِحَ ثُمَّ تَفَتَّتَ
(قَوْلُهُ: فِي كَثْرَتِهِ) أَيْ كَثْرَةِ تَغَيُّرِهِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ) اعْتَمَدَ الطَّبَلَاوِيُّ وَالْبِرْمَاوِيُّ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلِي فِي الطَّهَارَةِ) وَالْمُرَادُ فِي صِحَّتِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ تَغَيَّرَ الْمُتَغَيِّرُ (قَوْلُهُ: وَلَا تُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِهِ) وَمِثْلُهُ مَا تَغَيَّرَ بِمَا لَا يَضُرُّ حَيْثُ لَمْ يَجْرِ خِلَافٌ فِي سَلْبِهِ الطَّهُورِيَّةَ، أَمَّا مَا جَرَى فِي سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ بِهِ خِلَافٌ كَالْمُجَاوِرِ وَالتُّرَابُ إذَا طُرِحَ فَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافٍ مِنْ مَنْعٍ (قَوْلُهُ: أَوْ فَتْحِهِ شَيْءٌ أَخْضَرُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَكَزِبْرِجِ خَضِرَةٍ تَعْلُو الْمَاءَ الْمُزْمِنَ إلَخْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ أَخَذَ وَدَقَّ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ ثُمَّ طُرِحَ فِيمَا أُخِذَ مِنْهُ أَوْ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ تَفَتَّتَ بِنَفْسِهِ بَعْدُ لَمْ يَضُرَّ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوْرَاقِ الْمَطْرُوحَةِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الضَّرَرُ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الطُّحْلُبَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ الْأَوْرَاقِ، أَوْ أَنَّ الطُّحْلُبَ أَبْعَدُ تَفَتُّتًا مِنْهَا (قَوْلُهُ: صَارَ يُشْبِهُ) . وَمِنْهُ مَا تُصْنَعُ بِهِ الْفَسَاقِي وَالصَّهَارِيجُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْجِيرِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ وَضْعِ الْمَاءِ فِي جَرَّةٍ وُضِعَ أَوَّلًا فِيهَا لَبَنٌ أَوْ نَحْوُهُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ (قَوْلُهُ لَا بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ فِي الْفَسَاقِي الْمَعْرُوفَةِ مِمَّا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْأَوْسَاخِ الَّتِي عَلَى أَرْجُلِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِهَا غَيْرُ طَهُورٍ، وَإِنْ كَانَ الْآنَ فِي مَقَرِّ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خِلْقِيًّا وَلَا كَالْخِلْقِيِّ، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ بِمِصْرَ كَثِيرًا.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ الْبَلْوَى بِهِ فَيُعْفَى عَنْهُ وَفِيهِ شَيْءٌ، بَلْ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. وَفِي فَتَاوَى الرَّمْلِيِّ: سُئِلَ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَغَيُّرًا كَثِيرًا وَهُوَ الْغَالِبُ فِي مَغَاطِسِ حَمَّامَاتِ الرِّيفِ، هَلْ يُحَالُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ الْأَوْسَاخِ فَتُسْلَبُ طَهُورِيَّتُهُ فَلَا يَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا يُزِيلُ نَجَسًا، أَمْ يُحَالُ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ فَيَكُونُ طَهُورًا اعْتِمَادًا عَلَى الْأَصْلِ فِيهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ، إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ تَغَيُّرَهُ بِسَبَبِ طُولِ مُكْثِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ أَنَّ سَبَبَهُ الْأَوْسَاخُ الْمُنْفَصِلَةُ مِنْ أَبْدَانِ الْمُنْغَمِسِينَ فِيهِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ: وَأَصْلُ الْمَاءِ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ بِمُخَالَطَةِ مَا يَخْتَلِطُ بِهِ وَلَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ انْتَهَى
(قَوْلُهُ: بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ) زَادَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ مَا نَصُّهُ: لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا غَالِبًا.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فِي الْأَرْضِ أَوْ مَصْنُوعًا فِيهَا) يَخْرُجُ مَا كَانَ خِلْقِيًّا فِي غَيْرِ الْأَرْضِ وَمَا كَانَ مَصْنُوعًا فِيهِ مُطْلَقًا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا فِي الْمَقَرِّ أَوْ الْمَمَرِّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ الَّذِي يُوضَعُ فِي الْجِرَارِ الَّتِي كَانَ فِيهَا نَحْوُ عَسَلٍ أَوْ لَبَنٍ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا لَا يُنَاقِضُ مَا سَيَأْتِي لَهُ فِي التَّغَيُّرِ بِالْقَطِرَانِ الَّذِي تُدْهَنُ بِهِ الْقِرَبُ بَلْ هُوَ جَارٍ فِيهِ عَلَى قَاعِدَتِهِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا فِيهِمَا (قَوْلُهُ: لَا بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ) لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ أَرْجُلِ النَّاسِ مِنْ غَسْلِهَا فِي الْفَسَاقِيِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute