أَخْذًا مِنْ تَفْضِيلِهِمْ تَكْبِيرِ الْفِطْرِ عَلَى تَكْبِيرِ الْأَضْحَى لِلنَّصِّ عَلَيْهِ وَيُجَابُ بِعَدَمِ التَّلَازُمِ، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قِرْطٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَفْضَلَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَدْ رَجَّحَ فِي الْخَادِمِ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَالَ: إنَّهُ الْأَرْجَحُ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَفِيهِ نُسُكَانِ الْحَجُّ وَالْأُضْحِيَّةُ، وَقِيلَ إنَّ عَشَرَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ كُسُوفُ الشَّمْسِ ثُمَّ خُسُوفُ الْقَمَرِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ ثُمَّ التَّرَاوِيحُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِ بِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْفَرَائِضَ، وَالْمُرَادُ تَفْضِيلُ الْجِنْسِ عَلَى الْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِعَدَدٍ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ.
(لَكِنَّ الْأَصَحَّ) (تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ) لِلْفَرَائِضِ (عَلَى التَّرَاوِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى تِلْكَ دُونَ هَذِهِ فَإِنَّهُ صَلَّاهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ فِي الثَّالِثَةِ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ.
وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِحَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «هِيَ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ بِمَعْنَى جَعْلِ التَّهَجُّدِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً شَرْطًا فِي صِحَّةِ النَّفْلِ فِي اللَّيْلِ وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ» فَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ إشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنْ اشْتِرَاطِهِ، وَأُمِنَ مَعَ إذْنِهِ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَفْضِيلِ الْفِطْرِ عَلَى النَّحْرِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَكْبِيرِ الْأَضْحَى) أَيْ عَلَى التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ فِي الْأَضْحَى، أَمَّا الْمُقَيَّدُ فِيهِ فَأَفْضَلُ مِنْ تَكْبِيرِ الْفِطْرِ لِشَرَفِهِ بِتَبَعِيَّتِهِ لِلْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ: يَوْمُ النَّحْرِ) أَيْ وَتَفْضِيلُ الْيَوْمِ يَقْتَضِي تَفْضِيلَ مَا وَقَعَ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ الْأَرْجَحُ فِي النَّظَرِ) أَيْ الْمُدْرَكِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ) أَيْ وَلِأَنَّهُ قِيلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِعَدَدٍ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَمَا تَقَدَّمَ عَنْ حَجّ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ سَبَبُهُ أَنَّ الْوِتْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّوَاتِبِ ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الرَّوَاتِبِ وَقَالَ سم عَلَى حَجّ: هَلْ الْمُرَادُ أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرَّوَاتِبِ أَوْ مِنْ الرَّوَاتِبِ كُلِّهَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَابِلُ بَيْنَ زَمَنَيْ الْعِبَادَتَيْنِ، فَمَا زَادَ زَمَنُهُ كَانَ ثَوَابُهُ أَكْثَرَ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ كَالْمُقَابَلَةِ بَيْنَ صَوْمِ يَوْمٍ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِمَّا مَرَّ) هُوَ قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْضِيلِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ) أَيْ الْمُؤَكَّدَةِ وَغَيْرِهَا، وَيَلْزَمُهُ تَفْضِيلُ الْوِتْرِ عَلَى التَّرَاوِيحِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَإِذَا اُعْتُبِرَ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ تَرْتِيبِ النَّفْلِ الَّذِي لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ عَلِمْت أَنَّ بَعْدَ الِاسْتِسْقَاءِ الْوِتْرَ ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ثُمَّ بَاقِيَ الرَّوَاتِبِ ثُمَّ التَّرَاوِيحَ ثُمَّ الضُّحَى إلَى آخِرِ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ التَّرَاوِيحِ هُوَ الرَّاتِبُ الْمُؤَكَّدُ. وَقَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَكَّدِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْمَتْبُوعِ اهـ.
وَقَالَ ع: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَكَّدَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُحْتَمَلُ التَّخْصِيصُ بِالْمُؤَكَّدَةِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، وَعَدَمِ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُهُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَإِنْ اقْتَضَى تَعْلِيلُهُ بِالْمُوَاظَبَةِ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ لَيَالٍ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ» اهـ. أَقُولُ: وَأَمَّا الْبَقِيَّةُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَانْظُرْ هَلْ الثَّلَاثُ كَانَتْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فَلْيُرَاجِعْ.
وَبِبَعْضِ الْهَوَامِشِ قَوْلُهُ: ثَلَاثُ لَيَالٍ: أَيْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ حِينَ بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ سَبْعُ لَيَالٍ لَكِنْ مُفَرَّقَةٌ، صَلَّاهَا لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَالْخَامِسَةِ وَالسَّابِعَةِ ثُمَّ انْتَظَرُوهُ فِي الثَّامِنَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ وَقَالَ: خَشِيت إلَخْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْإِسْنَوِيِّ وَعِبَارَتُهُ: وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ «قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى خَشِيَنَا أَنْ لَا نُدْرِكَ الْفَلَاحَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (قَوْلُهُ: فَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّجْمِيعِ إلَخْ) وَأَسْلَمُ الْأَجْوِبَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .