الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهَا مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ عَاصٍ بِسَفَرِهِ، وَبِالْمُؤَدَّاةِ الْمَقْضِيَّةُ فَلَا تَكُونُ فَرْضًا فِيهَا بَلْ هِيَ سُنَّةٌ إنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا لَمْ تُسَنَّ أَيْضًا، وَمَتَى كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ (فَتَجِبُ) إقَامَتُهَا (بِحَيْثُ يَظْهَرُ) بِهَا (الشِّعَارُ) أَيْ شِعَارُ الْجَمَاعَةِ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ بِإِقَامَتِهَا فِي كُلِّ مُؤَدَّاةٍ مِنْ الْخَمْسِ بِجَمَاعَةٍ ذُكُورٍ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ فِيمَا يَظْهَرُ كَرَدِّ السَّلَامِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ مَقْصُودَهَا الدُّعَاءُ وَهُوَ مِنْ الصَّغِيرِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً اُشْتُرِطَ تَعَدُّدُهَا فِيهَا بَادِيَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَلَا يَكْفِي فِعْلُهَا فِي نَحْوِ مَحَلٍّ وَلَا فِي الْبُيُوتِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي الْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّ الشِّعَارَ لَا يَحْصُل بِذَلِكَ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ بِهَا الشِّعَارُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، كَأَنْ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا بِحَيْثُ لَا يَحْتَشِمُ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ مِنْ دُخُولِهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءَ بِإِقَامَتِهَا فِي الْأَسْوَاقِ إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ لِأَكْثَرِ النَّاسِ مُرُوءَاتٍ تَأْبَى دُخُولُ بُيُوتِ النَّاسِ وَالْأَسْوَاقِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ إقَامَتُهَا بِجُمْهُورِهِمْ بَلْ تَسْقُطُ بِطَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ ظَهَرَ الشِّعَارُ بِهِمْ، وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي طَائِفَةِ مُسَافِرِينَ أَقَامُوا الْجَمَاعَةَ فِي بَلْدَةٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ الرَّاحَةِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ سَفَرَ نُزْهَةٍ، وَسَيَأْتِي عَنْ الزِّيَادِيِّ فِي الْأَعْذَارِ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَوَقَّفَ فِي جَوَازِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي السَّفَرِ عِنْد ارْتِحَالِ الرُّفْقَةِ.
قَالَ: وَالتَّوَقُّفُ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْقَصْرِ لَوْ كَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى السَّفَرِ لِلنُّزْهَةِ فَقَطْ فَلَا تُرَخَّصُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهَا) أَيْ عَلَى الْمُسَافِرِينَ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعِهَا) أَيْ بِأَنْ اتَّفَقَا فِي عَيْنِ الْمَقْضِيَّةِ كَظُهْرَيْنِ أَوْ عَصْرَيْنِ، وَلَوْ مِنْ يَوْمَيْنِ، بِخِلَافِ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي كَوْنِهِمَا رُبَاعِيَّتَيْنِ، وَعِبَارَةُ ابْنُ حَجَرٍ وَلِمُصَلِّينَ مَقْضِيَّةٌ اتَّحَدَتْ (قَوْلُهُ: لَمْ تُسَنَّ أَيْضًا) أَيْ وَتَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَظْهَرُ بِهَا الشَّعَارُ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِهَا لُغَةً الْعَلَامَةُ حَجّ، وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ جَمْعُ شَعِيرَةٍ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ. اهـ.
وَمَا قَالَهُ حَجّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمِصْبَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَالشَّعَارُ أَيْضًا عَلَامَةُ الْقَوْمِ فِي الْحَرْبِ، وَهُوَ مَا يُنَادُونَ بِهِ لِيَعْرِفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْعِيدُ شِعَارٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَالشَّعَائِرُ أَعْلَامُ الْحَجِّ وَأَفْعَالُهُ. الْوَاحِدَةُ شَعِيرَةٌ أَوْ شِعَارَةٌ بِالْكَسْرِ. اهـ.
فَلَعَلَّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ مِنْ أَنَّ الْعَلَامَةَ الشَّعِيرَةُ قَوْلٌ فِي اللُّغَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: ذُكُورٍ أَحْرَارٍ) بَالِغِينَ وَمُقِيمِينَ أَخْذٌ مِمَّا يَأْتِي، وَهَذَا السِّيَاقُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يُوصَفُونَ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَاَلَّذِينَ يَحْكُمُ لَهُمْ مِنَّا بِالْبُلُوغِ وَالصِّبَا فَيَخْرُجُ بِهِ الْجِنُّ فَلَا يَكْفِي إقَامَتُهَا بِهِمْ فِي بَلَدٍ وَإِنْ ظَهَرَ بِهِمْ الشَّعَارُ.
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَمَاعَةِ حَثُّ أَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى التَّعَارُفِ بِإِقَامَتِهَا، وَبِحَثِّ بَعْضِهِمْ عَنْ أَحْوَالِ بَعْضٍ بِالِاجْتِمَاعِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَتَسْهِيلُ الْجَمَاعَةِ عَلَى طَالِبِيهَا. وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ الْمُقِيمِينَ مِنْ الْجِنِّ يَنْفِرُ مِنْهُمْ وَلَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ، سِيَّمَا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ كَمَالُ عَقْلٍ، وَقَدْ يُؤَيِّدُ هَذَا عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِإِقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَمْثَالِ أَهْلِ مَحَلَّتِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَاحْفَظْهُ وَارْفُضْ مَا عَدَاهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَخْ) أَيْ وَبِخِلَافِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ إذَا قَامَ بِهِ الصِّبْيَانُ كَفَى، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ نِكَايَةُ الْكُفَّارِ، وَهِيَ إذَا حَصَلَتْ بِالصِّبْيَانِ كَانَتْ أَقْوَى فِي حُصُولِ الْمُرَادِ. ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِي الْأَسْوَاقِ) أَيْ وَفِي الْمَحَلَّاتِ الْخَارِجَةِ عَنْ الصُّوَرِ أَيْضًا حَيْثُ ظَهَرَ مِنْهَا الشَّعَارُ. اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: تَأْبَى) أَيْ تَمْنَعُ (قَوْلُهُ: الشَّعَارُ بِهِمْ) أَيْ وَمِثْلُهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَنَحْوُهُمْ اهـ زِيَادِيٌّ، وَمِنْ النَّحْوِ الْعُرَاةُ. اهـ سم عَلَى حَجّ: أَيْ وَالْأَرِقَّاءُ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ جَمَاعَةٌ ذُكُورٌ إلَخْ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَقَوْلُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي الْأَسْوَاقِ) أَيْ ظُهُورًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الشِّعَارُ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute