مَا كَثُرَ جَمْعُهُ مِنْ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا لِلْخَبَرِ الْمَارِّ. نَعَمْ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ قَلَّتْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ، بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: إنَّ الِانْفِرَادَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ كَوْنِ الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ تُنَازِعُ فِيهِ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهَا أَغْلَبِيَّةٌ، عَلَى أَنَّ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ اخْتَصَّتْ بِخَصَائِصَ دُونَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا.
وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا خَشَعَ: أَيْ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، وَلَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَخْشَعْ فَالِانْفِرَادُ أَفْضَلُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ: وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ خِلَافُ مَا قَالَاهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ الْخُشُوعِ شَرْطًا فِيهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَنَّهُ سُنَّةٌ (إلَّا لِبِدْعَةِ إمَامِهِ) الَّتِي لَا يَكْفُرُ بِهَا كَمُعْتَزِلِيِّ وَرَافِضِيِّ وَقَدَرِيِّ وَمِثْلُهُ الْفَاسِقُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمُتَّهَمُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَكُلُّ مَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ كَمَا فِي التَّوَسُّطِ وَالْخَادِمِ، أَوْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ أَوْ الشُّرُوطِ كَحَنَفِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَتَى بِهَا لِقَصْدِهِ بِهَا النَّفْلِيَّةَ وَهُوَ مُبْطِلٌ عِنْدَنَا وَلِهَذَا مَنَعَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ مُطْلَقًا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَتَجْوِيزُ الْأَكْثَرِ لَهُ؛ لِمُرَاعَاةِ مَصْلَحَةِ الْجَمَاعَةِ وَاكْتِفَاءً بِوُجُودِ صُورَتِهَا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاءٌ بِمُخَالِفٍ وَتَعَطَّلَتْ الْجَمَاعَاتُ فَالْأَقَلُّ جَمَاعَةً أَفْضَلُ. وَلَوْ تَعَذَّرَتْ الْجَمَاعَةُ إلَّا خَلْفَ مَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لَمْ تَنْتَفِ الْكَرَاهَةُ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ، وَلَا نَظَرَ لِإِدَامَةِ تَعْطِيلِهَا لِسُقُوطِ فَرْضِهَا حِينَئِذٍ (أَوْ تَعَطُّلِ مَسْجِدٍ قَرِيبٍ) أَوْ بَعِيدٍ عَنْ الْجَمَاعَةِ (لِغَيْبَتِهِ) عَنْهُ لِكَوْنِهِ إمَامَهُ أَوْ يَحْضُرُ النَّاسُ بِحُضُورِهِ، فَقَلِيلُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْإِمَامَةِ مِنْ تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ حَاصِلَةٌ بِغَيْرِهِ، فَالْمَنْفَعَةُ فِي قُدْوَتِهِ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا) قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَفِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ. أَقُولُ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي أَفْضَلِيَّةِ الِانْفِرَادِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْأَقْصَى؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَفِي الْمَدِينَةِ بِصَلَاتَيْنِ فِي الْأَقْصَى، فَالْجَمَاعَةُ فِي الْأَقْصَى تَزِيدُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ عَلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الصَّلَوَاتِ الَّتِي ضُوعِفَتْ بِهَا الصَّلَوَاتُ فِي الْأَقْصَى مِنْ الصَّلَوَاتِ بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ فِيهِ بُعْدُ شَيْءٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ) أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ) وَهِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا، (قَوْلُهُ: خِلَافُ مَا قَالَاهُ) أَيْ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) مِنْ م ر (قَوْلُهُ: إنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: وَلَوْ تَعَارَضَ الْخُشُوعُ وَالْجَمَاعَةُ فَهِيَ أَوْلَى كَمَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ السُّنَّةِ، وَأَيْضًا فَالْخِلَافُ فِي كَوْنِهَا فَرْضَ عَيْنٍ وَكَوْنِهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ أَقْوَى مِنْهُ فِي شَرْطِيَّةِ الْخُشُوعِ. وَقَضِيَّتُهَا جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ الْجَمَاعَةِ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا قَطْعًا، وَيُصَرَّحُ بِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي الْقُوتِ مَا نَصُّهُ: وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ جَعَلَهَا شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَقِيلَ إنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ: أَيْ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ وَالدَّارِمِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ لَيْسَ بِوَجْهٍ لَنَا أَلْبَتَّةَ انْتَهَى، وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْنَوِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَّهَمُ بِذَلِكَ) أَيْ تُهْمَةٌ قَوِيَّةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُهُمْ) هَذِهِ مَقَالَةٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ:
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضٍ بِالْأَرْكَانِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ مَكْرُوهٌ أَيْضًا وَإِنْ أَوْهَمَ سِيَاقُهُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَتَى بِهَا لِقَصْدِهِ بِهَا النَّفْلِيَّةَ) يُوهِمُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالتَّعْبِيرُ بِالْغَايَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute