فَالْكَرَاهَةُ هُنَا فِي تَطْوِيلٍ زَائِدٍ عَلَى هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَطْوِيلَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ هَيْئَاتِهَا، وَجَزْمُهُمْ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا وَحِكَايَتُهُمْ لِلْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَقِبَهَا ظَاهِرٌ لِتَأَكُّدِ حَقِّ الدَّاخِلِ ثُمَّ بِلُحُوقِهِ فِيمَا يَتَوَقَّفُ انْتِظَارُهُ فِيهِ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ فَعُذِرَ بِانْتِظَارِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا؛ وَلِأَنَّ تِلْكَ فِيمَنْ دَخَلَ وَأَحَسَّ بِهِ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ الِانْتِظَارُ أَيْضًا. وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لَمْ يَحِلَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ مَعْنَاهُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحِلُّ حِلًّا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَإِنْ جَزَمَ فِي الْعُبَابِ بِالْحُرْمَةِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ.
(وَلَوْ) (أَحَسَّ) الْإِمَامُ (فِي الرُّكُوعِ) الَّذِي تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ (أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِدَاخِلٍ) مَحَلَّ الصَّلَاةِ لِيَأْتَمَّ بِهِ (لَمْ يُكْرَهْ انْتِظَارُهُ) (فِي الْأَظْهَرِ) مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ مُلَفَّقَةٍ مِنْ طُرُقٍ ثَمَانِيَةٍ؛ لِعُذْرِهِ بِإِدْرَاكِهِ الرَّكْعَةَ أَوْ الْجَمَاعَةَ (إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ) أَيْ التَّطْوِيلِ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ لَوْ وَزَّعَ عَلَى جَمِيعِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَظَهَرَ لَهُ أَثَرٌ مَحْسُوسٌ فِي كُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ كُرِهَ لَوْ لَحِقَ آخَرُ، وَكَانَ انْتِظَارُهُ وَحْدَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْمُبَالَغَةِ وَلَكِنْ يُؤَدِّي إلَيْهَا مَعَ ضَمِيمَتِهِ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ مَكْرُوهًا بِلَا شَكٍّ قَالَهُ الْإِمَامُ (وَلَمْ يَفْرُقْ) بِضَمِّ الرَّاءِ (بَيْنَ الدَّاخِلِينَ) بِانْتِظَارِ بَعْضِهِمْ لِنَحْوِ دِينٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ مُلَازَمَةٍ دُونَ بَعْضٍ، بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ فِي الِانْتِظَارِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ مَيَّزَ بَيْنَهُمْ وَلَوْ لِنَحْوِ شَرَفٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ انْتَظَرَهُمْ لَا لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ لِلتَّوَدُّدِ إلَيْهِمْ كَانَ مَكْرُوهًا، وَإِنْ ذَهَبَ الْفُورَانِيُّ إلَى حُرْمَتِهِ عِنْدَ قَصْدِ التَّوَدُّدِ، وَقَوْلُ الْكِفَايَةِ: إنْ قَصَدَ بِانْتِظَارِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ كَانَ يُمَيِّزُ فِي انْتِظَارِهِ بَيْنَ دَاخِلٍ وَدَاخِلٍ لَمْ يَصِحَّ قَوْلًا وَاحِدًا مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ لَمْ يَسْتَحِبَّ إلَى لَمْ يَصِحَّ بِدَلِيلِ حِكَايَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبُطْلَانِ قَوْلَيْنِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِدَاخِلٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الْغَالِبِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
(قَوْلُهُ: بِالْحُرْمَةِ) لَعَلَّ وَجْهَ الْحُرْمَةِ أَنَّ فِيهِ إيهَامًا لِعَدَمِ تَعْظِيمِ الصَّلَاةِ وَالتَّشَاغُلِ عَنْهَا لِأَغْرَاضٍ دُنْيَوِيَّةٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحَسَّ الْإِمَامُ) وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ الْمُصَلِّي، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُهَا إذْ الْمُنْفَرِدُ إذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ يَنْتَظِرُهُ، وَلَوْ مَعَ نَحْوِ تَطْوِيلٍ إلَخْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ أَوْ الْمُصَلِّي الْإِشَارَةَ إلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَى الْمُصَلِّي أَوْ الْإِمَامِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ.
وَقَوْلُهُ وَخَرَجَ إلَخْ بِالنَّظَرِ إلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ فَيَكُونُ تَفْصِيلًا بَعْدَ إجْمَالٍ (قَوْلُهُ: الَّذِي تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ رُكُوعَيْ الْكُسُوفِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ) الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَحَلِّيِّ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ وَعِبَارَتُهُ يُكْرَهُ يُسْتَحَبُّ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، لَكِنْ عِبَارَةُ الْخَطِيبِ: وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ إنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لِعُذْرِهِ) أَيْ الْإِمَامِ بِقَصْدِ إدْرَاكِ الْمَأْمُومِ الرَّكْعَةَ إلَخْ، وَلَوْ قَالَ لِعُذْرِهِ بِتَحْصِيلِ الرَّكْعَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ لِلدَّاخِلِ كَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: مَعَ ضَمِيمَتِهِ إلَى الْأَوَّلِ) وَسَوَاءٌ كَانَ دُخُولُ الْآخَرِ فِي الرُّكُوعِ الَّذِي انْتَظَرَ فِيهِ الْأَوَّلُ أَوْ فِي رُكُوعٍ آخَرَ انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ بِالْمَعْنَى. وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْآخَرَ إذَا دَخَلَ فِي التَّشَهُّدِ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُفَرَّقْ بِضَمِّ الرَّاءِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: فَرَّقْت بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَرْقًا مِنْ بَابِ قَتَلَ: فَصَلْت أَبْعَاضَهُ، وَفَرَّقَتْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ: فَصَلْت أَيْضًا هَذِهِ اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ وَبِهَا قَرَأَ السَّبْعَةُ فِي قَوْلِهِ {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: ٢٥] وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَقَرَأَ بِهَا بَعْضُ التَّابِعِينَ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: فَرَقْت بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَافْتَرَقَا مُخَفَّفٌ، وَفَرَّقْت بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَتَفَرَّقَا مُثَقَّلٌ، فَجَعَلَ الْمُخَفَّفَ فِي الْمَعَانِي وَالْمُثَقَّلَ فِي الْأَعْيَانِ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ
[حاشية الرشيدي]
كَذَلِكَ فِي عِبَارَةِ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَأَحَسَّ بِهِ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ هُنَا) اسْتَبْعَدَهُ الشِّهَابُ حَجّ فِي تُحْفَتِهِ وَبَيَّنَ وَجْهَ بُعْدِهِ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: الْإِمَامُ) أَيْ عَلَى الْمَرَضِيِّ عِنْدَهُ إذْ هُوَ مَحَلُّ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ الْآتِي كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ. وَقَوْلُهُ: أَيْ أَوْ الْمُصَلِّي غَرَضُهُ مِنْهُ إبْدَاءُ مُجَرَّدِ تَجَوُّزِهِ فِي الْعِبَارَةِ فِي تَرْجِيعِ الضَّمِيرِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَرَضِيٍّ لَهُ بِدَلِيلِ تَصْدِيرِهِ بِالْأَوَّلِ وَإِتْيَانِهِ فِي الثَّانِي بِحَرْفِ التَّفْسِيرِ فَلَا تُنَافِي كَلَامَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ) بَلْ سِتَّةٌ كَمَا بَيَّنَهَا الْكَمَالُ الدَّمِيرِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute