فِي تَوَقِّي الْخِلَافِ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْبَسْمَلَةَ لَمْ تَصِحَّ قُدْوَةُ الشَّافِعِيِّ بِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَدَى بِهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَقَلَا عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَالْأَوْدَنِيِّ الصِّحَّةَ خَلْفَهُ وَاسْتَحْسَنَاهُ. وَتَعْلِيلُ الْجَوَازِ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ مَمْنُوعٌ، فَقَدْ لَا يَعْلَمُ الْإِمَامُ بِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ أَوْ مُفَارَقَتِهِ كَأَنْ يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ مَثَلًا أَوْ يُتَابِعَهُ فِي أَفْعَالِهَا مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ وَانْتِظَارٍ كَثِيرٍ فَيَنْتَفِي خَوْفُ الْفِتْنَةِ.
(وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ) حَالَ قُدْوَتِهِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ بِلَحْقِهِ سَهْوَهُ، وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ الِاسْتِقْلَالُ وَأَنْ يَتَحَمَّلَ هُوَ سَهْوَ غَيْرِهِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّاسَ اقْتَدَوْا بِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنْ صَحَّ هَذَا كَانَ مَرَّتَيْنِ كَمَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ.
وَلَوْ تَوَهَّمَ أَوْ ظَنَّ كَوْنَهُ مَأْمُومًا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ أَيْضًا بِهِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ عِنْدَ هُجُومِهِ فَإِنْ اجْتَهَدَ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ، وَاقْتَدَى بِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ الْإِمَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَمَا يُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَالثَّوْبِ وَالْأَوَانِي. انْتَهَى.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ اجْتِهَادَهُ بِسَبَبِ قَرَائِنَ تَدُلُّهُ عَلَى غَرَضِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلنِّيَّةِ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا، فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِأَنَّ شَرْطَ الِاجْتِهَادِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَلَامَةِ فِيهِ مَجَالٌ، وَلَا مَجَالَ لَهَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْمَأْمُومِيَّةِ عَلَى النِّيَّةِ لَا غَيْرُ، وَهِيَ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهَا. وَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ أَنَّهُ إمَامٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا لِعَدَمِ مُقْتَضَى بُطْلَانِهَا أَوْ أَنَّهُ مَأْمُومٌ فَلَا. وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِشَكِّهِ فِي أَنَّهُ تَابِعٌ أَوْ مَتْبُوعٌ، فَلَوْ شَكَّ أَحَدُهُمَا وَظَنَّ الْآخَرُ صَحَّتْ لِلظَّانِّ أَنَّهُ إمَامٌ دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فَرَّقَ الْأَصْحَابُ فِيهَا بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ، قَالَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمُحَافَظَةً عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَهُ. اهـ. وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ بِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ الْمَتْرُوكُ عِنْدَهُ مِنْ الْكَمَالِ وَلَا مِمَّا يُطْلَبُ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ عِنْدَهُ فَلَا يَكُونُ الظَّاهِرُ الْإِتْيَانَ بِجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْبَسْمَلَةَ) كَأَنْ سَمِعَهُ يَصِلُ تَكْبِيرَةَ التَّحَرُّمِ أَوْ الْقِيَامِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ) أَيْ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ عِنْدَ إرَادَتِهِ الرُّكُوعَ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُعِيدَهَا عَلَى الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: الْأَوْدَنِيُّ) قَالَ فِي اللُّبِّ: الْأَوْدَنِيُّ بِالضَّمِّ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ إلَى أُودَنَةَ مِنْ قُرَى بُخَارَى. قُلْت: وَبِالْفَتْحِ إلَى أَوْدَنَ مِنْهَا أَيْضًا، قَالَ يَاقُوتُ: وَأَظُنُّهُمَا وَاحِدًا، وَاخْتُلِفَ فِي الْهَمْزَةِ. انْتَهَى.
وَفِي طَبَقَاتِ الْإِسْنَوِيِّ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَصِيرٍ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، تُوُفِّيَ بِبُخَارَى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ، وَأَوْدَنَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْإِكْمَالِ لِابْنِ مَاكُولَا وَعَنْ خَطِّ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فِي الْأَنْسَابِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ خِلِّكَانَ أَنَّ ابْنَ السَّمْعَانِيِّ قَالَ: إنَّهُ بِالضَّمِّ وَأَنَّ الْفَتْحَ مِنْ خَطَأِ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ أَعَنَى ابْنَ خِلِّكَانَ (قَوْلُهُ: خَلْفَهُ) أَيْ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ كَأَنْ يَكُونَ: أَيْ الْمَأْمُومُ (قَوْلُهُ: وَانْتِظَارٍ كَثِيرٍ) أَيْ عُرْفًا م ر فِيمَا يَأْتِي فِي فَصْلِ شَرْطِ الْقُدْوَةِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْقُدْوَةُ اسْمٌ مِنْ اقْتَدَى بِهِ إذَا فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ تَأَسِّيًا، وَفُلَانٌ قُدْوَةٌ: أَيْ يُقْتَدَى بِهِ، وَالضَّمُّ أَكْثَرُ مِنْ الْكَسْرِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَيُقَالُ إنَّ الْقُدْوَةَ الْأَصْلُ الَّذِي يَتَشَعَّبُ مِنْهُ الْفُرُوعُ. انْتَهَى.
وَفِي الْقَامُوسِ: الْقُدْوَةُ مُثَلَّثَةٌ وَكَعِدَّةِ مَا تَسَنَّنْت بِهِ وَاقْتَدَيْت بِهِ (قَوْلُهُ: إنَّ النَّاسَ اقْتَدَوْا بِأَبِي بَكْرٍ) أَيْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ بَانَ إمَامًا. اهـ ابْنُ حَجَرٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم بِأَنْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي كَوْنِ إمَامِهِ مَأْمُومًا إلَّا أَنَّ مَحَلَّ هَذَا مَا لَمْ يَبْنِ إمَامًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُنَافِيهِ، وَإِنْ بَانَ إمَامًا؛ لِجَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ. اهـ.
وَكَتَبَ سم أَيْضًا: قَوْلَهُ: وَإِنْ بَانَ إمَامًا: أَيْ إنْ طَالَ زَمَنُ التَّرَدُّدِ أَوْ مَضَى رُكْنٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ) أَيْ فَلَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَهَلْ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ أَوْ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَنَّهُ إمَامٌ) أَيْ بِصَاحِبِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا طَالَ التَّرَدُّدُ أَوْ مَضَى رُكْنٌ ضُرَّ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ طَرِيقُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .