للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْوَرَعِ إذْ هُوَ الْحَلَالُ وَالْوَرَعُ فِي الشُّبْهَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي مُهِمَّاتِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُرَجَّحَاتِ وَاعْتِبَارُهُ ظَاهِرٌ حَتَّى إذَا اشْتَرَكَا فِي الْوَرَعِ، وَامْتَازَ أَحَدُهُمَا بِالزُّهْدِ قَدَّمْنَاهُ. اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ، إذْ بَعْضُ الْأَفْرَادِ لِلشَّيْءِ قَدْ يَفْضُلُ بَاقِيَهُ. نَعَمْ عِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّ الزُّهْدَ قَسِيمٌ لِلْوَرَعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قِسْمٌ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَرَعَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ كَالْعَدَالَةِ، وَلَوْ تَمَيَّزَ الْمَفْضُولُ مِمَّنْ ذَكَرَ بِبُلُوغٍ أَوْ إتْمَامٍ أَوْ عَدَالَةٍ أَوْ مَعْرِفَةِ نَسَبٍ كَانَ أَوْلَى.

(وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكَذَا الْأَوْرَعُ (عَلَى الْأَسَنِّ وَالنَّسِيبِ) فَعَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ كُلٌّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لَهَا تَعَلُّقٌ تَامٌّ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ أَوْ كَمَالِهَا بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ. وَلَوْ كَانَ الْأَفْقَهُ أَوْ الْأَقْرَأُ أَوْ الْأَوْرَعُ صَبِيًّا أَوْ قَاصِرًا فِي سَفَرِهِ أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ زِنًا أَوْ مَجْهُولَ الْأَبِ فَضِدُّهُ أَوْلَى كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسَافِرُ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ فَهُوَ أَحَقُّ، وَأَطْلَقَ جَمْعٌ كَرَاهَةَ إمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَا وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ بِكَوْنِ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُسَاوِهِ الْمَأْمُومُ، فَإِنْ سَاوَاهُ أَوْ وَجَدَهُ قَدْ أَحْرَمَ وَاقْتَدَى بِهِ فَلَا بَأْسَ (وَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ) فِي الْإِسْلَامِ (عَلَى النَّسِيبِ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَلِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَسَنِّ فِي ذَاتِهِ وَالنَّسِيبِ فِي آبَائِهِ، وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ أَوْلَى.

وَعَكَسَهُ الْقَدِيمُ لِخَبَرِ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِسِنٍّ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ، فَيُقَدَّمُ شَابٌّ أَسْلَمَ أَمْسِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ الْيَوْمَ، فَإِنْ أَسْلَمَا مَعًا قُدِّمَ الشَّيْخُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ، وَبَحَثَهُ الطَّبَرِيُّ وَيُقَدَّمُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مِلَاكُ الْجَسَدِ. اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى الْحَاجَةِ) أَيْ النَّاجِزَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ الزُّهْدَ (قَوْلُهُ: مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ) أَيْ يَشُكُّ النَّاظِرُ فِي الْفَرْدَيْنِ الْمُتَفَاوِتَيْنِ فِيهِ بِأَشِدِّيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَحَقِّيَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ فَيَكُونَانِ مِنْ الْمُتَوَاطِئِ، أَوْ مُخْتَلِفَةٌ فَيَكُونَانِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ (قَوْلُهُ: أَوْ إتْمَامٍ) أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُسَافِرًا قَاصِرًا (قَوْلُهُ: أَوْ عَدَالَةٍ) أَيْ زِيَادَتِهَا أَوْ أَصْلِهَا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَدْلًا وَالْآخَرُ فَاسِقًا (قَوْلُهُ: كَانَ أَوْلَى) وَتَقَدَّمَ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ كَرَاهَةُ الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ.

وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ هُنَا فَالْفَاسِقُ وَمَجْهُولُ النَّسَبِ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْقَاصِرِ خِلَافُ الْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ الْأَسَنِّ وَالنَّسِيبِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ تَمَيَّزَ الْمَفْضُولُ مِمَّنْ ذَكَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَا يُعْرَفُ) أَيْ كَاللَّقِيطِ، وَمِثْلُ إمَامَتِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ) أَيْ كَرَاهَةُ إمَامَةِ وَلَدُ الزِّنَا وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ) أَيْ فَلَا لَوْمَ فِي الِاقْتِدَاءِ، وَمَعْلُومٌ مِنْهُ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ.

[فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ أَسْلَمَ شَخْصٌ وَمَكَثَ مُدَّةً كَذَلِكَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ شَخْصٌ آخَرُ ثُمَّ جَدَّدَ الْمُرْتَدُّ إسْلَامَهُ وَاجْتَمَعَا، فَهَلْ يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ أَسَنُّ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يُقَدَّمُ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ تَقْدِيمُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ أَبْطَلَتْ شَرَفَ الْإِسْلَامِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ ثَمَّ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ (قَوْلُهُ: قُدِّمَ الشَّيْخُ) لَا يُنَافِي هَذَا مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِسِنٍّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ عِبَارَتُهُ تُوهِمُ إلَخْ) يَعْنِي لَفْظَ عِبَارَتِهِ فِي مُهِمَّاتِهِ، وَإِلَّا فَمَا هُوَ مَذْكُورٌ هُنَا لَا إبْهَامَ فِيهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالْمَعْنَى.

(قَوْلُهُ: أَوْ قَاصِرًا فِي سَفَرِهِ) أَيْ وَالْمَأْمُومُونَ مُتِمُّونَ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِالِاخْتِلَافِ بَيْنَ صَلَاتِهِمَا. أَقُولُ: وَلِوُقُوعِ بَعْضِ صَلَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ جَمَاعَةٍ بِخِلَافِهَا خَلْفَ الْمُتِمِّ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ) مَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ جَمِيعُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ تَمَيَّزَ الْمَفْضُولُ مِمَّنْ ذُكِرَ بِبُلُوغِ إلَخْ، فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظِ بَعْضٍ (قَوْلُهُ: أَوْ وَجَدَهُ قَدْ أَحْرَمَ) أَيْ فَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا هِيَ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى غَيْرِهِ الَّذِي لَيْسَ مِثْلَهُ مَعَ حُضُورِهِ وَلَيْسَتْ رَاجِعَةً إلَى نَفْسِ إمَامَتِهِ. (قَوْلُهُ: فِي الْإِسْلَامِ) سَيَأْتِي أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِكِبَرِ السِّنِّ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ الْآتِي، فَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» أَيْ بِالنَّظَرِ لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>