للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِتَبَعِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّ فَضِيلَتَهُ فِي ذَاتِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا، أَمَّا بَعْدَهُ فَيَظْهَرُ تَقْدِيمُ التَّابِعِ.

وَالْمُرَادُ بِالنَّسِيبِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ فَيُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ ثُمَّ سَائِرُ قُرَيْشٍ ثُمَّ الْعَرَبِيُّ ثُمَّ الْعَجَمِيُّ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَالِمِ أَوْ الصَّالِحِ عَلَى ابْنِ غَيْرِهِ. وَتُعْتَبَرُ الْهِجْرَةُ أَيْضًا فَيُقَدَّمُ أَفْقَهُ فَأَقْرَأُ فَأَرْوَعُ فَأَقْدَمُ هِجْرَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِآبَائِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَسَنُّ فَأَنْسَبُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُنْتَسِبَ لِلْأَقْدَمِ هِجْرَةً مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُنْتَسِبِ لِقُرَيْشٍ مَثَلًا، وَأَنَّ ذِكْرَ النَّسَبِ لَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْأَقْدَمِ هِجْرَةً.

(فَإِنْ) (اسْتَوَيَا) فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (فَنَظَافَةُ) الذِّكْرِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ حُسْنُهُ، ثُمَّ نَظَافَةُ (الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ) عَنْ الْأَوْسَاخِ (وَحُسْنُ الصَّوْتِ وَطِيبُ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا) لِإِفْضَاءِ النَّظَافَةِ إلَى اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَالْكَسْبِ كَالنَّظَافَةِ، فَمَنْ كَانَ كَسْبُهُ أَفْضَلَ أَوْ أَنْظَفَ قُدِّمَ بِهِ، وَلَوْ تَعَارَضَتْ الصِّفَاتُ بَعْدَ حُسْنِ الذِّكْرِ قُدِّمَ الْأَنْظَفُ ثَوْبًا ثُمَّ بَدَنًا ثُمَّ صَنْعَةً ثُمَّ الْأَحْسَنُ صَوْتًا فَصُورَةً، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ فَقْدِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ أَوْ إسْقَاطِ حَقِّهِ لَلْأَوْلَى، وَإِلَّا قُدِّمَ الرَّاتِبُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ أَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.

(وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ) يَعْنِي مَنْ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَحَلٍّ كَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ (بِمِلْكٍ) لَهُ (وَنَحْوِهِ) كَإِجَارَةٍ، وَإِعَارَةٍ وَوَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ، وَإِذْنِ سَيِّدٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِيمَا لَوْ عَارَضَتْهُ صِفَةٌ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ، وَمَا هُنَا مَفْرُوضٌ فِي اسْتِوَائِهِمَا فِي الصِّفَاتِ كُلِّهَا، فَالشَّيْخُوخَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِلتَّرْجِيحِ (قَوْلُهُ: إلَى قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ قُرَيْشٌ، وَأَفْرَدَ الصَّمِيرَ لِكَوْنِ قُرَيْشٍ اسْمًا لِلْجَدِّ الَّذِي تُنْسَبُ إلَيْهِ الْقَبِيلَةُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعَرَبِيُّ) أَيْ ثُمَّ بَاقِي الْعَرَبِ (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَالِمِ) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَنَظَافَةُ الذِّكْرِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَصِفْهُ مِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ عَدَاوَتَهُ بِنَقْصٍ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ حَجّ.

فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ، وَمَنْ وُصِفَ بِخَارِمِ الْمُرُوءَةِ (قَوْلُهُ: وَحُسْنُ الصَّوْتِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سَرِيَّةً كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا فَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: قُدِّمَ الْأَنْظَفُ ثَوْبًا) زَادَ حَجّ فَوَجْهًا (قَوْلُهُ: فَصُورَةُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالصُّورَةِ سَلَامَتُهُ فِي بَدَنِهِ مِنْ آفَةٍ تَنْقُصُهُ كَعَرَجٍ وَشَلَلٍ لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ: عَرَجَ فِي مَشْيِهِ عَرَجًا مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا كَانَ مِنْ عِلَّةٍ لَازِمَةٍ فَهُوَ أَعْرُجُ، وَالْمَرْأَةُ عَرْجَاءُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عِلَّةٍ غَيْرِ لَازِمَةٍ بَلْ مِنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ حَتَّى غَمَزَ فِي مَشْيِهِ قِيلَ عَرَجَ يَعْرُجُ مِنْ بَابِ قَتَلَ يَقْتُلُ فَهُوَ عَارِجٌ.

(قَوْلُهُ: أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ حَيْثُ اجْتَمَعَا فِي مَحَلٍّ مُبَاحٍ أَوْ كَانَا مُشْتَرَكَيْنِ فِي الْإِمَامَةِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي مَمْلُوكٍ وَتَنَازَعَا لَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُصَلِّي كُلٌّ مُنْفَرِدًا (قَوْلُهُ: أَوْ إسْقَاطِ حَقِّهِ لِلْأَوْلَى) أَيْ فَلَوْ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ رَجَعَ قَبْلَ دُخُولِ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُدِّمَ الرَّاتِبُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ عَيَّنَ شَخْصًا بَدَلَهُ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ اتِّفَاقِ أَهْلِ مَحَلَّةٍ عَلَى إمَامٍ يُصَلِّي بِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَصْبِ النَّاظِرِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيُقَدَّمُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، لَكِنْ فِي الْإِيعَابِ خِلَافُهُ. وَعِبَارَتُهُ: فَرْعٌ: فِي الْكِفَايَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهِمَا تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ مَا حَاصِلُهُ تَحْصُلُ وَظِيفَةُ إمَامِ غَيْرِ الْجَامِعِ مِنْ مَسَاجِدِ الْمَحَالِّ وَالْعَشَائِرِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِآبَائِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِجْرَةِ آبَائِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: أَوْ صُورَةً) فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فَصُورَةٌ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ لِمَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ) أَيْ وَلَوْ عَامًّا كَالْحَاكِمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي مَنْ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ) إنَّمَا حُمِلَ الْمَتْنُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ الْمُحْوِجِ إلَى قَوْلِهِ الْآتِي فِي تَفْسِيرِ ضَمِيرِ يَكُنْ بِالْمُسْتَحِقِّ لِلْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً، وَلَمْ يَبْقَ الْمَتْنُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِيُسْتَغْنَى عَمَّا يَأْتِي لِتَرْجِعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>