للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

نَعَمْ إنْ عَقَبَ تَحَرُّمَ الثَّانِي تَقَدُّمُ الْإِمَامِ أَوْ تَأَخُّرُهُمَا نَالَا فَضِيلَتَهَا، وَإِلَّا فَلَا تَحْصُلُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ إحْرَامِهِ لَا قَبْلَهُ (يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أَوْ يَتَأَخَّرَانِ) فِي الْقِيَامِ وَيُلْحَقُ بِهِ الرُّكُوعُ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ (وَهُوَ) أَيْ تَأَخُّرُهُمَا (أَفْضَلُ) مِنْ تَقَدُّمِ إمَامِهِ عِنْدَ إمْكَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْإِمَامَ مَتْبُوعٌ فَلَا يُنَاسِبُهُ الِانْتِقَالُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَعَلَ الْمُمْكِنَ لِتَعَيُّنِهِ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قُمْت عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» أَمَّا فِي غَيْرِ الْقِيَامِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَلَوْ كَانَ تَشَهُّدًا آخِرًا فَلَا يُسَنُّ فِيهِ ذَلِكَ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ أَوْ يَشُقُّ غَالِبًا (وَلَوْ حَضَرَ) ابْتِدَاءً مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (رَجُلَانِ) أَوْ صَبِيَّانِ (أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ صُفَّا خَلْفَهُ) لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ كُلِّ صَفَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ.

(وَكَذَا لَوْ حَضَرَ امْرَأَةٌ) وَلَوْ مَحْرَمًا أَوْ زَوْجَةً (أَوْ نِسْوَةٌ) تَقُومُ أَوْ يَقُمْنَ خَلْفَهُ لِخَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الذَّكَرِ، أَوْ امْرَأَةٌ وَذَكَرَانِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ. وَلَوْ قِيلَ بِاغْتِفَارِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَاهِلِ وَإِنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَانَ مُخَالِطًا لِلْعُلَمَاءِ وَأَنَّهُ لَا تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْفَى، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِيعَابِ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي حَقِّ الْجَاهِلِ حَيْثُ عُذِرَ.

(قَوْلُهُ: فِي الْقِيَامِ) وَمِنْهُ الِاعْتِدَالُ لِأَنَّهُ قِيَامٌ فِي الصُّورَةِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ تَقَدُّمِ إمَامِهِ) أَيْ الْمُقْتَدِي وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إمَامِهِمَا.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا أَحَدُهُمَا) أَيْ لِضِيقِ الْمَكَانِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ سَجَدَ عَلَى نَحْوِ تُرَابٍ يُشَوِّهُ خَلْقَهُ أَوْ يُفْسِدُ ثِيَابَهُ أَوْ يُضْحِكُ عَلَيْهِ النَّاسَ.

(قَوْلُهُ: فَعَلَ الْمُمْكِنَ لِتَعَيُّنِهِ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ التَّقَدُّمَ أَوْ التَّأَخُّرَ مَنْ أَمْكَنَهُ دُونَ الْآخَرِ فَهَلْ تَفُوتُ الْفَضِيلَةُ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَقَدُّمٌ وَلَا تَأَخُّرٌ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ أَوْ تَفُوتُهُمَا مَعًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ تَقْصِيرِ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ. وَسُئِلَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ عَمَّا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ صَفٌّ قَبْلَ إتْمَامِ مَا أَمَامَهُ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِوُقُوفِهِ الْمَذْكُورِ. وَفِي ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ مَا يُوَافِقُهُ وَعِبَارَتُهُ: لَيْسَ مِنْهُ كَمَا يُتَوَهَّمُ صَلَاةُ صَفٍّ لَمْ يَتِمَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ الصُّفُوفِ فَلَا تَفُوتُ بِذَلِكَ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ فَاتَتْ فَضِيلَةُ الصَّفِّ انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ مُخَالَفَةُ السُّنَنِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ مَكْرُوهَةٌ مُفَوِّتَةٌ لِلْفَضِيلَةِ.

(قَوْلُهُ: جَبَّارُ) هُوَ بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَأَلْفٍ وَآخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ اهـ بَكْرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَمَا أُلْحِقَ بِهِ) أَيْ وَهُوَ الرُّكُوعُ كَمَا قَدَّمَهُ.

(قَوْلُهُ: صَفًّا خَلْفَهُ) أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ مُحَاذِيًا لِبَدَنِهِ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ: أَيْ قَامَا صَفًّا اهـ. وَهَذَا الْحَلُّ مِنْهُ يَقْتَضِي أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ صَفًّا بِفَتْحِ الصَّادِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَهُوَ جَائِزٌ كَبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ، فَإِنَّ صَفَّ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا فَيُقَالُ: صَفَفْت الْقَوْمَ فَاصْطَفُّوا وَصَفُّوا اهـ مِصْبَاح بِالْمَعْنَى.

(قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) أَيْ مَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الرَّجُلِ وَالصَّبِيِّ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ إلَخْ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

هُوَ الَّذِي فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: فَإِنْ خَالَفَ صَادِقًا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا وَالْحُكْمُ فِيهِ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) مِنْ جُمْلَةِ فَتْوَى وَالِدِهِ وَإِنْ أَوْهَمَ سِيَاقُهُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا تَحْصُلُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ وَإِنْ حَصَلَ التَّقَدُّمُ أَوْ التَّأَخُّرُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ انْتَفَتْ الْعَقِبِيَّةُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ تَنْتَفِي فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَإِنْ حَصَلَ التَّقَدُّمُ أَوْ التَّأَخُّرُ بَعْدُ وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَفِي فَتَاوَى وَالِدِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ) فِي عِلْمِهِ مِنْهُ مَنْعٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا إلَخْ) أَيْ فَإِنْ زَادَ فَاتَتْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>