للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ مَأْمُومٌ عَنْ يَمِينِ إمَامِهِ فَجَاءَ آخَرُ فَأَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ: يُكْرَهُ لِلثَّانِي أَنْ يَجْذِبَ الَّذِي عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ قَبْلَ إحْرَامِهِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَتَأَخَّرُ إلَى الثَّانِي قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اهـ. بَلْ أَنْكَرَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ كَوْنَ الْجَذْبِ بَعْدَ التَّحَرُّمِ وَقَالَ: وَافَقَ الرَّافِعِيُّ عَلَى نَقْلِهِ الْفَارِقِيَّ فِي فَوَائِدِهِ، وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ بَعْدَ الْكَشْفِ إلَّا فِي الْحِلْيَةِ لِلرُّويَانِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْجَذْبَ يَكُونُ قَبْلَ التَّحَرُّمِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ كَمَا مَرَّ، وَمَتَى أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ عِنْدَ الْمُخَالِفِينَ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْجَذْبِ حِينَئِذٍ اهـ.

وَقَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَيْضًا، فَقَوْلُ الْكِفَايَةِ لَا يَجُوزُ جَذْبُهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَلَا يُخَالِفُ مَا قَرَّرْنَاهُ.

(وَيُشْتَرَطُ) (عِلْمُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ (بِأَنْ) كَانَ (يَرَاهُ أَوْ) يَرَى (بَعْضَ صَفٍّ) مِنْ الْمُقْتَدِينَ بِهِ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَفٍّ (أَوْ يَسْمَعُهُ أَوْ) يَسْمَعُ (مُبَلِّغًا) ثِقَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّقَةِ هُنَا عَدْلُ الرِّوَايَةِ، إذْ غَيْرُهُ لَا يُقْبَلُ إخْبَارُهُ، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ يُقْبَلُ إخْبَارُ الصَّبِيِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَالْغُرُوبِ ضَعِيفٌ وَإِنْ نَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، أَوْ بِهِدَايَةِ ثِقَةٍ بِجَنْبِ أَعْمَى أَصَمَّ أَوْ بَصِيرٍ أَصَمَّ فِي نَحْوِ ظُلْمَةٍ، وَلَوْ ذَهَبَ الْمُبَلِّغُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَزِمَتْهُ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ: أَيْ إنْ لَمْ يَرْجُ عَوْدَهُ قَبْلَ مُضِيِّ مَا يَسَعُ رُكْنَيْنِ فِي ظَنِّهِ فِيمَا يَظْهَرُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ ثِقَةٌ وَجَهِلَ الْمَأْمُومُ أَفْعَالَ إمَامِهِ الظَّاهِرَةَ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، فَيَقْضِي لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ حِينَئِذٍ. .

وَمِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ أَيْضًا: أَنْ يَجْمَعَهُمَا مَوْقِفٌ، إذْ مِنْ مَقَاصِدِ الِاقْتِدَاءِ اجْتِمَاعُ جَمْعٍ فِي مَكَان كَمَا عُهِدَ عَلَيْهِ الْجَمَاعَاتُ فِي الْأَعْصُرِ الْخَالِيَةِ، وَمَبْنَى الْعِبَادَاتِ عَلَى رِعَايَةِ الِاتِّبَاعِ، وَلِاجْتِمَاعِهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَا بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ فَضَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِ كُلٍّ، فَقَالَ (وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَا يَأْتِي عَنْ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَجْذِبَ) هُوَ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبَابُهُ ضَرَبَ اهـ مِصْبَاح.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ) ضَعِيفٌ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُخَالِفُ مَا قَرَّرْنَاهُ) أَيْ فِي أَنَّ الْجَرَّ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ

(قَوْلُهُ: ضَعِيفٌ) أَيْ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِهِدَايَةِ ثِقَةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ كَانَ يَرَاهُ (قَوْلُهُ: لَزِمَتْهُ) أَيْ الْمَأْمُومَ (قَوْلُهُ: وَجَهِلَ الْمَأْمُومُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِانْتِقَالَاتِهِ إلَّا بَعْدَ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ، كَذَا ذَكَرُوهُ هُنَا، وَسَيَأْتِي فِي فَصْلٍ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ تَقَدَّمَ بِفِعْلٍ كَرُكُوعٍ إنْ كَانَ: أَيْ تَقَدَّمَهُ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِمَا اهـ.

وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِ الْقُدْوَةِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ هُنَا أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى عَلَى وَجْهٍ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ فِيهِ الْعِلْمُ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ ذَلِكَ وَعَرَضَ لَهُ مَا مَنَعَهُ عَنْ الْعِلْمِ بِالِانْتِقَالَاتِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ ذَهَبَ الْمُبَلِّغُ وَرَجَى عَوْدَهُ فَاتَّفَقَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ رُكْنَيْنِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْبُطْلَانِ لِعُذْرِهِ كَالْجَاهِلِ

(قَوْلُهُ: أَنْ يَجْمَعَهُمَا مَوْقِفٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَكَانٌ.

(قَوْلُهُ: عَلَى رِعَايَةِ الِاتِّبَاعِ) أَيْ لَا الِابْتِدَاعِ، فَلَيْسَ لَنَا إحْدَاثُ صِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ فِي عَهْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا بِدَلِيلٍ كَالْقِيَاسِ عَلَى مَا ثَبَتَ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يَكُونَا إلَخْ) بَدَلٌ أَوْ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ: أَيْ وَهِيَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَا إلَخْ.

(قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ إلَخْ) وَفِيهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَى آخِرِ السِّوَادَةِ) هُوَ نَصُّ عِبَارَةِ فَتَاوَى وَالِدِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَإِنْ أَوْهَمَ سِيَاقُهُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: فِيمَا لَوْ وَقَفَ مَأْمُومٌ عَنْ يَمِينِ إمَامِهِ) أَيْ وَأَحْرَمَ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فَجَاءَ آخَرُ فَأَحْرَمَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ مُضِيِّ مَا يَسَعُ رُكْنَيْنِ) أَيْ فِعْلِيَّيْنِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا هُمَا الَّذِي يَضُرُّ التَّأَخُّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>