خِلَافَهُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ التَّخَلُّفَ لِلْقُنُوتِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُتَخَلِّفَ لِنَحْوِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَحْدَثَ سُنَّةً يَطُولُ زَمَنُهَا وَلَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ أَصْلًا فَفَحُشَتْ الْمُخَالَفَةُ، وَأَمَّا تَطْوِيلُهُ لِلْقُنُوتِ فَلَيْسَ فِيهِ إحْدَاثُ شَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ إمَامُهُ فَلَمْ تَفْحُشْ الْمُخَالَفَةُ إلَّا بِالتَّخَلُّفِ بِتَمَامِ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ كَمَا أَطْلَقُوهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفُحْشَ فِي التَّخَلُّفِ لَلسُّنَّةِ غَيْرُهُ فِي التَّخَلُّفِ بِالرُّكْنِ، وَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ إحْدَاثَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ إمَامُهُ مَعَ طُولِ زَمَنِهِ فُحْشٌ فِي ذَاتِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِضَمِّ شَيْءٍ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ تَطْوِيلِ مَا فَعَلَهُ إمَامُهُ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ صِفَةٍ تَابِعَةٍ فَلَمْ يَحْصُلْ الْفُحْشُ بِهِ بَلْ بِتَكَرُّرِهِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ مِنْهُ إلَّا تَوَالِي رُكْنَيْنِ تَامَّيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُمْ هُنَا إذَا لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى قُيِّدَ لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، فَلَا بُطْلَانَ حَتَّى يَهْوِيَ لِلسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ إنَّ التَّخَلُّفَ لِلْقُنُوتِ مُبْطِلٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَقَدْ حَكَى الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ لَا خِلَافَ، بَلْ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا فَحُشَتْ الْمُخَالَفَةُ: أَيْ بِأَنْ تَأَخَّرَ بِرُكْنَيْنِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ لَيْسَ مَفْرُوضًا فِيهِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: إذَا لَحِقَهُ عَلَى الْقُرْبِ (فَإِنْ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ جِنَازَةٍ) أَوْ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (لَمْ يَصِحَّ) الِاقْتِدَاءُ فِي ذَلِكَ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِمُخَالَفَتِهِ النَّظْمَ وَتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ مَعَهَا. نَعَمْ يَظْهَرُ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ فِي الشُّكْرِ بِالتِّلَاوَةِ وَعَكْسِهِ. وَالثَّانِي يَصِحُّ لِإِمْكَانِهَا فِي الْبَعْضِ، وَعَلَيْهِ رِعَايَةُ تَرْتِيبِ نَفْسِهِ وَلَا يُتَابِعُهُ، فَفِي الْجِنَازَةِ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ تَخَيَّرَ بَيْنَ مُفَارَقَتِهِ وَانْتِظَارِهِ سَلَامَهُ وَلَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَفِي الْكُسُوفِ تَابَعَهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْفَعُ وَيُفَارِقُهُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ رَاكِعًا إلَى أَنْ يَرْكَعَ ثَانِيًا وَيَعْتَدِلَ وَيَسْجُدَ مَعَهُ، وَلَا يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ الرَّفْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ نِيَّةَ الْإِمَامِ لَهَا أَوْ يَجْهَلَهَا وَإِنْ بَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي فَمَا بَعْدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَتَبِعَهُ جَمْعٌ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْلِيلُهُمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ بِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ وَلَا تَعَذُّرَ فِيهَا هُنَا، وَالْأَوْجُهُ اسْتِمْرَارُ الْمَنْعِ فِي الْجِنَازَةِ وَسَجْدَتَيْ الشُّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ إلَى تَمَامِ السَّلَامِ، إذْ مَوْضُوعُ الْأُولَى عَلَى الْمُخَالَفَةِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ سَلَامَهَا مِنْ قِيَامٍ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهَا، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَلِأَنَّهُمَا مُلْحَقَانِ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَتَا مِنْهَا مَعَ وُجُودِ الْمُخَالَفَةِ. لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي صِحَّةُ الْقُدْوَةِ بِمُصَلِّي الْكُسُوفِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِي الْقِيَامِ وَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ، ثُمَّ إذَا انْتَهَى إلَى الْأَفْعَالِ الْمُخَالِفَةِ فَإِنْ فَارَقَهُ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ، كَمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْهُ عِنْدَ رُكُوعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا تَعَذَّرَ الرَّبْطُ بِتَخَالُفِ النَّظْمِ مَعَ انْعِقَادِهَا لِرَبْطِهِ صَلَاتَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَلَا بُطْلَانَ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا غَيْرَ أَنَّهُ يُنَافِيهِ إطْلَاقُهُمْ إلَخْ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ قُيِّدَ لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَفِي الْجِنَازَةِ) تَفْرِيعٌ عَلَى الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ) قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَقَضِيَّتُهُ حُصُولُ الرَّكْعَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تُعْذَرُ فِيمَا هُنَا) وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرِ بِمَنْ فِي السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْفَرْضِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ مَا يُوَافِقُهُ وَعِبَارَتُهُ: وَمِثْلُهُمَا: أَيْ مِثْلُ ثَانِي قِيَامِ رَكْعَةِ الْكُسُوفِ الثَّانِيَةِ، وَآخِرُ تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ فِي الصِّحَّةِ مَا بَعْدَ السُّجُودِ فِيمَا قَالَهُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَحْدَثَ سُنَّةً) وَهِيَ الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفُحْشَ فِي التَّخَلُّفِ لِلسُّنَّةِ) أَيْ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْقُنُوتِ أَيْضًا مُتَخَلِّفٌ لِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ هُنَا بِاللَّامِ وَفِيمَا بَعْدَهُ بِالْبَاءِ لِلْإِشَارَةِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِمَا يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرْته (قَوْلُهُ: بَلْ بِتَكَرُّرِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَلْ بِانْضِمَامِ رُكْنَيْنِ تَامَّيْنِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: قَيَّدَ لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ) أَيْ وَلِنَدْبِ الْقُنُوتِ كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ سم (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا تَعَذَّرَ الرَّبْطُ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ يُرَدُّ بِأَنَّ الرَّبْطَ مَعَ تَخَالُفِ النَّظْمِ مُتَعَذِّرٌ فَمُنِعَ الِانْعِقَادُ (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا فَقَدْ رَبَطَ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ لِرَبْطِهِ صَلَاتَهُ إلَخْ، وَهِيَ أَوْلَى وَأَقْرَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute