يُفَرَّقَ بِأَنَّ هَذَا شَائِبَةَ شُبْهَةٍ لِاشْتِغَالِهِ بِصُورَةِ سُنَّةٍ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ وَبِمَا يَأْتِي فِي الْمَسْبُوقِ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ عُذْرِهِ اشْتِغَالُهُ بِسُنَّةٍ عَنْ فَرْضٍ.
وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَسْبُوقِ، فَاحْتِيطَ لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ صَرَفَ شَيْئًا لِغَيْرِ الْفَرْضِ.
وَأَمَّا الْمُوَافِقُ فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ فَعُذِرَ لِلتَّخَلُّفِ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ وَإِنْ عُدَّ مُقَصِّرًا بِصَرْفِهِ بَعْضَ الزَّمَنِ لِغَيْرِهَا إذْ تَقْصِيرُهُ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ دُونَ الْوَاقِعِ.
وَالْحَاصِلُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ إدَارَتُنَا الْأَمْرَ عَلَى الْوَاقِعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُذْرِ وَعَدَمِهِ وَعَلَى ظَنِّهِ بِالنِّسْبَةِ لِنَدْبِ الْإِتْيَانِ بِنَحْوِ التَّعَوُّذِ (هَذَا كُلُّهُ فِي) الْمَأْمُومِ (الْمُوَافِقِ) وَهُوَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَحَلَّ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الْمُعْتَدِلَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ وَلَا لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِنْ رَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ اعْتِبَارَ قِرَاءَةِ نَفْسِهِ، وَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ: هُوَ مَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ مَرْدُودٌ، إذْ أَحْكَامُ الْمُوَافِقِ وَالْمَسْبُوقِ جَارِيَةٌ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ، بِدَلِيلِ أَنَّ السَّاعِيَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ وَنَحْوِهِ كَبَطِيءِ النَّهْضَةِ إذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ كَانَ مُوَافِقًا وَإِلَّا فَمَسْبُوقٌ، وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ مَنْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُسْقِطُهَا وَعَدَمُ تَحَمُّلِ الْإِمَامِ لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلِأَنَّ إدْرَاكَ الْمَسْبُوقِ الرَّكْعَةَ رُخْصَةٌ فَلَا تَحْصُلُ مَعَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لَهُ، وَلِأَنَّ التَّخَلُّفَ لِقِرَاءَتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ مِنْ تَرْكِ كَمَالِهَا، وَحِينَئِذٍ فَيَتَأَخَّرُ وَيُتِمُّ الْفَاتِحَةَ وَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، فَإِنْ سُبِقَ بِهِ تَابَعَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِهِ، فِي ذَلِكَ تَرَدُّدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، نَعَمْ لِمَا مَرَّ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكَانَ إحْرَامُهُ عَقِبَ إحْرَامِ إمَامِهِ أَمْ عَقِبَ قِيَامِهِ مِنْ رَكْعَتِهِ أَمْ لَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
أَمَّا الْمَسْبُوقُ وَهُوَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (فَأَمَّا مَسْبُوقٌ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي) أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ (فَاتِحَتِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ) بِأَنْ قَرَأَ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ (تَرَكَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ) مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ سِوَى مَا قَرَأَهُ (وَهُوَ) بِرُكُوعِهِ مَعَهُ وَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ قِيَامِهِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ (مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ) فَيَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْهَا كَمَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ جَمِيعَهَا لَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَوْ رَكَعَ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ، فَإِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ هُوَ) أَيْ الْمُوَافِقُ.
(قَوْلُهُ: إذْ أَحْكَامُ الْمُوَافِقِ إلَخْ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَنْ عَبَّرَ بِذَلِكَ أَرَادَ الْمُوَافِقَ الْحَقِيقِيَّ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ بَطِيءِ النَّهْضَةِ وَنَحْوِهِ مَسْبُوقٌ حُكْمًا.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَسْبُوقٌ) أَيْ فَيَرْكَعُ مَعَهُ وَتُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُمْ يُسْرِعُونَ الْقِرَاءَةَ فَلَا يُمْكِنُ الْمَأْمُومَ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْ السُّجُودِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بِتَمَامِهَا قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ مَعَهُ وَتُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ وَلَوْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ، فَلَوْ تَخَلَّفَ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ رَكَعَ مَعَهُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِهِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ فَيَتْبَعُ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ: وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ) أَيْ الْمُوَافِقِ. (قَوْلُهُ نَعَمْ) أَيْ فَيَكُونُ كَالْمُوَافِقِ فَيُغْتَفَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَقَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَيَتَأَخَّرُ إلَخْ
(قَوْلُهُ تَرَكَ قِرَاءَتَهُ أَوْ رَكَعَ) أَيْ نَدْبًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَبِمَا يَأْتِي) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ دُونَ الْوَاقِعِ) قَالَ الشِّهَابُ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِلتَّقْصِيرِ فِي الْوَاقِعِ إلَّا كَوْنُ مُقْتَضَى الْوَاقِعِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ، وَهُنَا كَذَلِكَ لِكَوْنِ مَا أَدْرَكَهُ لَا يَسَعُ فِي الْوَاقِعِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: إذْ أَحْكَامُ الْمُوَافِقِ وَالْمَسْبُوقِ جَارِيَةٌ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ أَحْكَامِهِمَا فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ أَنَّهُمَا يُسَمَّيَانِ كَذَلِكَ حَقِيقَةً فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ قِيَامِهِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ) أَيْ وَأَتَمَّ الرُّكُوعَ قَبْلَ انْفِصَالِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ لَكَانَ أَوْضَحَ