للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَا لِمَنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُ (فَإِنْ) (لَمْ يَخْرُجْ) أَيْ الْإِمَامُ (وَقَطَعَهَا الْمَأْمُومُ) بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ (جَازَ) مَعَ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَا عُذْرَ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْجَمَاعَةِ الْمَطْلُوبَةِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا مُؤَكَّدًا، بِخِلَافِ مُفَارَقَتِهِ بِعُذْرٍ فَلَا تُكْرَهُ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا سُنَّةٌ عَلَى قَوْلٍ وَالسُّنَنُ لَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا إلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الرَّاجِحِ، فَكَذَلِكَ إلَّا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلِأَنَّ الْفِرْقَةَ الْأُولَى فَارَقَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَمَا سَيَأْتِي وَلِخَبَرِ مُعَاذٍ «أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِالْقِصَّةِ، فَغَضِبَ وَأَنْكَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى الرَّجُلِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ» . قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ، إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى بَلْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا، فَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْطَالِ لِعُذْرٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ انْفَرَدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الشُّذُوذِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ إبْطَالِ أَصْلِ الْعِبَادَةِ فَعَلَى إبْطَالِ صِفَتِهَا أَوْلَى.

وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّ الصَّلَاةِ كَانَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ، فَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَأَبِي دَاوُد أَنَّهَا فِي الْمَغْرِبِ، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا " أَنَّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْمَأْمُومِ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) أَيْ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ فَإِنَّهُمَا مِنْهُمَا سُنَّةٌ لَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ يَحْرُمُ قَطْعُهُمَا، بِمَعْنَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُ الصَّبِيِّ مِنْ الْقَطْعِ. أَمَّا الرَّقِيقُ فَالْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ نَفْسِهِ لِتَكْلِيفِهِ، وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ هَذَيْنِ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ كَانَ لَهُ قَطْعُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. وَلَوْ قِيلَ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ مَنْعُهُ مِنْ إبْطَالِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ كَالْبَالِغِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا.

(قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) أَيْ وَإِنْ تَأَدَّى الْفَرْضُ بِغَيْرِهِ كَأَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَنْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُهَا لِأَنَّهَا تَقَعُ فَرْضًا وَإِنْ تَعَدَّدَ الْفَاعِلُونَ وَتَرَتَّبُوا. وَأَمَّا لَوْ أَعَادَهَا شَخْصٌ بَعْدَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَيَقَعُ لَهُ نَفْلًا، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُهَا قِيَاسًا عَلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُعَادَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَةَ الْمُعَادَةَ قِيلَ إنَّهَا الْفَرْضُ، وَقِيلَ الْفَرْضُ وَاحِدَةٌ يَحْتَسِبُ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَقِيلَ الْفَرْضُ أَكْمَلُ الصَّلَاتَيْنِ بِخِلَافِ هَذِهِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِهَا نَفْلًا، عَلَى أَنَّ إعَادَةَ الْجِنَازَةِ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ فَكَانَ الْقِيَاسُ عَدَمَ انْعِقَادِهَا، إلَّا أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ، ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ قَطْعِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا عَلَى حَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ أَوْ قَبْرٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِي الْقَطْعِ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ فِي الْجُمْلَةِ.

[فَائِدَةٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ] قَالَ سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ فِي الْجَنَائِزِ: قَوْلُهُ وَلَا عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ أَحْمَدَ إلَخْ، لَا يَبْعُدُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا دُفِنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَبْرِ م ر اهـ. وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُصَلِّي مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ إذْ ذَاكَ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفِعْلِهَا الْآنَ تَنْزِيلًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَمْ يُدْفَنْ.

(قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ مُعَاذٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا إمَّا سُنَّةٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ هَذِهِ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ الْآتِيَةِ.

(قَوْلُهُ: فَانْصَرَفَ) أَيْ فَارَقَ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ.

(قَوْلُهُ: بَلْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَلَّمَ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تُوَافِقُ مَا هُوَ الْمُقَرَّرُ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّ السَّلَامَ قَبْلَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ مُمْتَنِعٌ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى قَصْدِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، بَلْ بَعْدَ أَنْ نَوَى الْخُرُوجَ سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ لِانْصِرَافِهِ عَنْهُمْ.

(قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّ الصَّلَاةِ كَانَتْ) أَيُّ الِاسْتِفْهَامِيَّة إذَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

عَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ أَصَابِعِ الْمَأْمُومِ دُونَ عَقِبِهِ بِأَنْ كَانَتْ قَدَمُهُ صَغِيرَةً دُونَ قَدَمِ الْمَأْمُومِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُفَارَقَتِهِ بِعُذْرٍ) أَيْ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِيمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَانَتْ مَذْكُورَةً فِيهِ فِي حَيِّزِ الْقَدِيمِ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا) الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرُ هَذِهِ عَنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ بَيَانِ الصَّلَاةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا مَا ذَكَرَ، وَرِوَايَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>