مُعَاذًا افْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ أَنَّهَا فِي الْعِشَاءِ فَقَرَأَ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: ١] قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ نَسِيَهُ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْبَقَرَةِ وَاقْتَرَبَتْ بِأَنَّهُ قَرَأَ بِهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَبِهَذِهِ فِي أُخْرَى.
(وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ (لَا يَجُوزُ) إخْرَاجُ نَفْسِهِ مِنْ الْجَمَاعَةِ لِالْتِزَامِهِ الْقُدْوَةَ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَفِيهِ إبْطَالٌ لِلْعَمَلِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] (إلَّا بِعُذْرٍ) فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِدُونِهِ، وَضَابِطُ الْعُذْرِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مَا (يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) ابْتِدَاءً وَيَلْحَقُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَمِنْ الْعُذْرِ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ) الْقِرَاءَةَ أَوْ غَيْرَهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَصْبِرْ الْمَأْمُومُ عَلَيْهِ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا بِأَنْ يَذْهَبَ خُشُوعُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ وَلَوْ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قَطَعَ الْقُدْوَةَ فِي خَبَرِ مُعَاذٍ الْمَارِّ كَانَ شَكَا الْعَمَلَ فِي حَرْثِهِ الْمُوجِبَ لِضَعْفِهِ عَنْ احْتِمَالِ التَّطْوِيلِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّطْوِيلِ وَهُوَ غَيْرُ عُذْرٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُمَا شَخْصَانِ وَأَنَّ فِي رِوَايَةٍ شِكَايَةُ مُجَرَّدِ التَّطْوِيلِ فَيَتَّضِحُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ (أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ) أَوَّلٍ أَوْ قُنُوتٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
دَخَلَتْ عَلَى مُعَرَّفٍ بِاللَّامِ أَوْ غَيْرِهَا، كَالْعَلَمِيَّةِ كَانَتْ اسْتِفْهَامًا عَنْ الْأَجْزَاءِ، وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى مُنْكَرٍ كَانَتْ اسْتِفْهَامًا عَنْ الْأَفْرَادِ، فَإِذَا قِيلَ: أَيٌّ زَيْدٍ أَوْ الرَّجُلِ أَحْسَنُ كَانَ الْجَوَابُ وَجْهُهُ مَثَلًا، وَإِذَا قِيلَ: أَيُّ رَجُلٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحْسَنُ؟ قِيلَ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو، فَقَوْلُهُ هُنَا فِي أَيِّ الصَّلَاةِ مَعْنَاهُ: فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ أَهُوَ الرُّكُوعُ أَوْ غَيْرُهُ؟ وَإِذَا قِيلَ فِي أَيِّ صَلَاةٍ كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْمَغْرِبِ أَوْ غَيْرِهَا. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ مُضَافًا مَحْذُوفًا: أَيْ أَيُّ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ، أَوْ أَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ وَهُوَ يُسَاوِقُ النَّكِرَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَفْهُومُهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْبَقَرَةِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ
(قَوْلُهُ: يُرَخَّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ ابْتِدَاءً) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا أُلْحِقَ هُنَا بِالْعُذْرِ كَالتَّطْوِيلِ وَتَرْكِ السُّنَّةِ الْمَقْصُودَةِ لَا يُرَخَّصُ فِي التَّرْكِ ابْتِدَاءً. قَالَ م ر: وَهُوَ الظَّاهِرُ فَيَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ إذَا حَصَلَ ذَلِكَ فَارَقَ إنْ أَرَادَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِ شَيْخِنَا الْحَلَبِيِّ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذُكِرَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ التَّطْوِيلُ مِنْ الْمُرَخَّصِ ابْتِدَاءً حَيْثُ عُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ اهـ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مِنْ عَادَةِ الْإِمَامِ التَّطْوِيلُ الْمُؤَدِّي لِذَلِكَ مَنَعَهُ الْإِمَامُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ وَتَفْوِيتِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَخِّصَ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ ابْتِدَاءً يُرَخِّصُ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَكَلَ ذَا رِيحٍ كَرِيهٍ ثُمَّ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الْقُدْوَةِ وَلَا تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ إنْ حَصَلَ بِخُرُوجِهِمْ عَنْ الْجَمَاعَةِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَنْ الْحَاضِرِينَ أَوْ عَنْ الْمُصَلِّي نَفْسِهِ كَأَنْ حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ بِشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَكَانَ يَزُولُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَتَتْمِيمِهِ لِنَفْسِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْجَمَاعَةِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي حَقِّهِ وَإِلَّا فَلَا، إذْ لَا فَائِدَةَ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْجَمَاعَةِ إلَّا مُجَرَّدُ تَرْكِهَا. وَقَوْلُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ: أَيْ فِي جَوَازِ الْقَطْعِ بِلَا كَرَاهَةٍ.
(قَوْلُهُ: كَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ أَوْ قُنُوتٍ) قَالَ حَجّ: وَكَذَا سُورَةٌ، إذْ الَّذِي يَظْهَرُ فِي ضَبْطِ الْمَقْصُودِ أَنَّهَا مَا جُبِرَ بِسُجُودِ السَّهْوِ أَوْ قَوِيَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا أَوْ وَرَدَتْ الْأَدِلَّةُ بِعَظِيمِ فَضْلِهَا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ تَرْكِ السُّورَةِ
[حاشية الرشيدي]
الصَّحِيحَيْنِ لَا تَعَرُّضَ فِيهَا لِذَلِكَ، ثُمَّ يَذْكُرُ رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ بَعْدُ لِمُخَالَفَتِهَا لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي الْمُقِرِّ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجُلَ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ لِلْمُفَارَقَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ عَجِيبٌ، مَعَ مَا فِي الْخَبَرِ أَنَّ الرَّجُلَ شَكَا الْعَمَلَ فِي حَرْثِهِ الْمُوجِبَ لِضَعْفِهِ عَنْ احْتِمَالِ التَّطْوِيلِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّطْوِيلِ وَهُوَ غَيْرُ عُذْرٍ. نَعَمْ إنْ قُلْنَا بِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ وَثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ شِكَايَةُ مُجَرَّدِ التَّطْوِيلِ اتَّضَحَ مَا قَالُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute