للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ نَوَى جَمَاعَةً مُوَافَقَةُ مَا قَالَهُ الْجَلَالُ مِنْ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الرَّاجِحُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَبَنَى الْقَفَّالُ عَلَى الْجَوَازِ تَصْيِيرَ الْمُقْتَدِينَ بِهِ مُنْفَرِدِينَ وَأَنَّ لَهُمْ الِاقْتِدَاءَ بِمَنْ اقْتَدَى بِهِ مُسْتَدِلًّا بِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْجَلَالِ مِنْ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ إنْشَاءِ الْقُدْوَةِ لَا الِاسْتِخْلَافِ، وَفِي الْخَادِمِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ.

وَمَعْنَى رِوَايَةٍ: وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِأَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ كَانَ يُسْمِعُهُمْ تَبْلِيغَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذْ الْقُدْوَةُ بِالْمَأْمُومِ مُمْتَنِعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَبِمَا مَرَّ فِي تَأَخُّرِ الْإِمَامِ يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ إنَّمَا يَجِيءُ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَخَلَّفَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ بِتَأَخُّرِهِ تَنْقَطِعُ إمَامَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَخْلَفًا وَلَا قَاطِعًا لِلْإِمَامَةِ بِنِيَّةِ اقْتِدَاءٍ بِالْغَيْرِ، وَإِنَّمَا قَاطِعُهَا حِينَئِذٍ تَأَخُّرُهُ، ثُمَّ لَمَّا تَقَدَّمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَوَى أَبُو بَكْرٍ الِاقْتِدَاءَ بِهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُنْفَرِدًا بِتَأَخُّرِهِ، وَحِينَئِذٍ بَطَلَتْ إمَامَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّحَابَةِ لِنِيَّةِ الِائْتِمَامِ بِغَيْرِهِ فَنَوَوْا الِاقْتِدَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ عَلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْجَلَالِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَرَّرَ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ تَأَخَّرَ عَنْ جَمِيعِ الْقَوْمِ، فَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْجَلَالُ مِنْ أَنَّهُ أَخْرَجَ نَفْسَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

(قَوْلُهُ: تَصْيِيرُ الْمُقْتَدِينَ بِهِ مُنْفَرِدِينَ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقْتَدُونَ بِاقْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِغَيْرِهِ وَتَابَعُوهُ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِمْ لِاقْتِدَائِهِمْ بِمُقْتَدٍ أَوْ لَا لِعُذْرِهِمْ كَمَا لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ لِلْإِحْرَامِ فَاقْتَدَوْا بِهِ ثُمَّ كَبَّرَ ثَانِيًا وَلَمْ يَعْلَمُوا بِتَكْبِيرِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِعُذْرِهِمْ، وَلَا تَفُوتُهُمْ الْفَضِيلَةُ لِوُجُودِ الْجَمَاعَةِ صُورَةً اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: تَكْبِيرُ الْإِمَامِ ثَانِيًا مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْمُقْتَدِينَ، بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُمْ بِقَرِينَةِ تَأَخُّرِهِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَوْقِفِ وَالْأَفْعَالِ.

(قَوْلُهُ: أَنَّهُ كَانَ يُسْمِعُهُمْ تَبْلِيغَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عِبَارَةُ حَجّ تَكْبِيرَهُ وَهِيَ أَوْلَى، فَإِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ يُحْوِجُ إلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ بِتَبْلِيغِ رَسُولِ اللَّهِ بِمُبَلِّغِهِمْ: أَيْ مَا يُبَلِّغُهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَخَلَّفَ عَنْهُ) الْمُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ تَأَخَّرَ عَنْ الْمُقْتَدِينَ بِهِ قَبْلَ اقْتِدَائِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَوْلُهُ: لِصَيْرُورَتِهِ مُنْفَرِدًا بِتَأَخُّرِهِ) أَيْ عَنْ الْمُقْتَدِينَ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ) أَيْ الصَّدِيقُ، وَقَوْلُهُ تَأَخَّرَ عَنْ جَمِيعِ الْقَوْمِ: أَيْ بَلْ وَلَا عَنْ بَعْضِهِمْ. وَعِبَارَةُ حَجّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ فِي بَابِ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ: أَيْ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ نَصُّهَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَدَى بِهِ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِهِ فَكَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» . وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: مَا يَقْتَضِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ اهـ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَجَمَعَ بَيْنه

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَالْإِجْلَالِ وَلِلصَّلَاةِ خَلْفَهُ مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: مُوَافَقَةَ مَا قَالَهُ الْجَلَالُ) أَيْ فِي الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَمَا مَرَّ، وَوَجْهُ مُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِ الْجَلَالِ أَنَّهُ بَنَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى جَمَاعَةً، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْأَظْهَرَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَيَكُونُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، فَقَوْلُ الْجَلَالِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا، إمَّا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ، أَوْ لِعَدَمِ تَذَكُّرِهِ إيَّاهُ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ إنْشَاءِ الْقُدْوَةِ لَا الِاسْتِخْلَافِ) أَيْ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ) أَيْ بَعْدَ «اقْتِدَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ بِتَأَخُّرِهِ تَنْقَطِعُ إمَامَتُهُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً دُونَ الْقَوْمِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: ثُمَّ لَمَّا تَقَدَّمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَوَى أَبُو بَكْرٍ الِاقْتِدَاءَ لِصَيْرُورَتِهِ مُنْفَرِدًا بِتَأَخُّرِهِ، وَحِينَئِذٍ بَطَلَتْ إمَامَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّحَابَةِ إلَخْ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ تَنْظِيرَ الشَّارِحِ الْآتِي لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ: وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الْقَائِلِ تَنْقَطِعُ إمَامَتُهُ: أَيْ مُطْلَقًا حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِلْقَوْمِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>