نَظِيرُ مَا مَرَّ أَمْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ مَعَ الْعُذْرِ، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِيهِ بِخِلَافِهِ هُنَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاحْتِمَالٍ وَهُوَ إلَى الثَّانِي أَقْرَبُ. قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ:
لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْإِمَامِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِآخَرَ وَيُعْرِضَ عَنْ الْإِمَامَةِ، وَهَذِهِ وَقَعَتْ لِلصِّدِّيقِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَهَبَ لِلصُّلْحِ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَفِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَأَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ وَاقْتَدَى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالصَّحَابَةُ أَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَاقْتَدَوْا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَضِيَّةُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْأَوَّلِ لِلْأَظْهَرِ كَمَا مَرَّ جَوَازُ ذَلِكَ بَلْ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ اهـ مُلَخَّصًا.
وَنُظِرَ فِيهِ لِمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تَحْتَجْ الصَّحَابَةُ لِنِيَّةٍ، لَكِنْ بِفَرْضِ ذَلِكَ يَحْصُلُ مَا قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَيَنْتِجُ أَنَّهُ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ ثُمَّ نَوَى الِاقْتِدَاءَ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْجَلَالِ مَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِخْلَافِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْقَفَّالِ: لَوْ اقْتَدَى الْإِمَامُ بِآخَرَ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
حَجّ. أَقُولُ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْمَسْبُوقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ مَا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ وَلَا نَظَرَ لِمَا مَضَى قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْفَرِدًا فِيهِ حَقِيقَةً، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ السَّابِقِ، وَالْحَاصِلُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ إدَارَتُنَا الْأَمْرَ عَلَى الْوَاقِعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُذْرِ وَعَدَمِهِ، وَعَلَى ظَنِّهِ بِالنِّسْبَةِ لِنَدْبِ الْإِتْيَانِ بِنَحْوِ التَّعَوُّذِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي صُورَةِ الْخَبَرِ.
(قَوْلُهُ: أَمْ يُفَرَّقُ إلَخْ) أَيْ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَلَا تَبْطُلُ قَطْعًا، وَأَمَّا هَهُنَا فَالْعُذْرُ وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ هُنَا فَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ، بَلْ يَقُولُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ لِتَقَدُّمِ إحْرَامِ الْمَأْمُومِ عَلَى إحْرَامِ الْإِمَامِ فَاقْتَضَتْ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ هُنَا) يُخَالِفُهُ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِإِحْرَامِهِ مُنْفَرِدًا إلَخْ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُخَالَفَةَ، لِأَنَّهُ بِتَبَيُّنِ حَالِ الْإِمَامِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْجَمَاعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ إلَى الثَّانِي أَقْرَبُ) هُوَ قَوْلُهُ أَمْ يُفَرَّقُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْأَوَّلِ) وَهُوَ اقْتِدَاءُ الصِّدِّيقِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَدُلُّ لِمَا تَقَرَّرَ فِعْلُ الصِّدِّيقِ، وَقَوْلُهُ جَوَازُ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي ظَاهِرٌ) هُوَ اقْتِدَاءُ الصَّحَابَةِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُهُ فَأَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَقَوْلُهُ ظَاهِرٌ: أَيْ فِي نَفْسِهِ لِوُضُوحِ أَنَّهُمَا لَا يُتَابِعُونَ غَيْرَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ بِدُونِ نِيَّةِ اقْتِدَاءٍ، وَقَوْلُهُ بِفَرْضِ ذَلِكَ: أَيْ بِفَرْضِ عَدَمِ احْتِيَاجِهِمْ لِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ.
(قَوْلُهُ: مَا قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِغَيْرِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
نِيَّةِ الْقُدْوَةِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْأَوَّلِ) أَيْ إخْرَاجُ الصِّدِّيقِ نَفْسِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَقَوْلُهُ: وَالثَّانِي ظَاهِرٌ: أَيْ إخْرَاجُ الْمَأْمُومِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ الِاقْتِدَاءِ وَالِاقْتِدَاءُ بِآخَرَ (قَوْلُهُ: وَنَظَرَ فِيهِ) يَعْنِي فِي الثَّانِي بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ الصَّحَابَةُ إلَى نِيَّةٍ، وَالْمُنَظِّرُ فِيهِ هُوَ الشِّهَابُ حَجّ، لَكِنَّهُ إنَّمَا عَزَا كَوْنَ الصِّدِّيقِ اسْتَخْلَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الصَّحِيحَيْنِ لَا إلَى الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِفَرْضِ ذَلِكَ يَحْصُلُ مَا قَالَهُ الْجَلَالُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا نِزَاعَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْجَلَالِ) يَعْنِي مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْقِصَّةَ لَا اسْتِخْلَافَ فِيهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَاقِي كَلَامِهِ: أَيْ خِلَافًا لِلْمُنَظِّرِ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ.
وَوَجْهُ تَأْيِيدِ ذَلِكَ لِكَلَامِ الْجَلَالِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْلَافِ لَكَانَ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ تَأَخُّرِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ الِاسْتِخْلَافِ: أَيْ وَالْوَاقِعُ فِي الْقِصَّةِ خِلَافُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَك أَنْ تَقُولَ: إذَا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ فِيهَا ثَابِتًا فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَسُوغُ إنْكَارُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَابٍ عَنْ فِعْلِ الصِّدِّيقِ لِيُوَافِقَ مَا قَالَهُ.
وَأَجَابَ عَنْهُ الشِّهَابُ سم بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِخْلَافِ فِي الْقِصَّةِ الِاسْتِخْلَافَ الشَّرْعِيَّ، وَبِأَنَّ الْوَجْهَ اسْتِثْنَاءُ فِعْلِ الصِّدِّيقِ فِيهَا بِكُلِّ حَالٍ، إذْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحُرْمَةِ