إلَيْهَا مِنْ مِنًى؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَقْصِدِهِمْ؟ فَلَا تَأْثِيرَ لِنِيَّتِهِمْ الْإِقَامَةَ الْقَصِيرَةَ قَبْلَهَا وَلَا الطَّوِيلَةَ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ مِنًى وَدُخُولِهِمْ مَكَّةَ. لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ مُحْتَمَلٌ، وَالثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ أَقْرَبُ (وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ (يَوْمَا) أَوْ لَيْلَتَا (دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ عَلَى الصَّحِيحِ) إذْ فِي الْأَوَّلِ الْحَطُّ وَفِي الثَّانِي الرَّحِيلُ، وَهُمَا مِنْ مُهِمَّاتِ أَشْغَالِ السَّفَرِ الْمُقْتَضِي لِتَرَخُّصِهِ، وَبِهِ فَارَقَ حُسْبَانُهُمَا مِنْ مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: لَوْ دَخَلَ لَيْلًا لَمْ يُحْسَبْ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهَا مَرْدُودٌ، وَالثَّانِي يُحْسَبَانِ كَمَا يُحْسَبُ فِي مُدَّةِ الْخُفِّ يَوْمَ الْحَدَثِ وَيَوْمَ النَّزْعِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ بِسَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَسِيرُ فِي بَعْضِهِ وَهُوَ فِي يَوْمَيْ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ سَائِرٌ فِي بَعْضِ النَّهَارِ، بِخِلَافِ اللَّبْسِ فَإِنَّهُ مُسْتَوْعِبٌ لِلْمُدَّةِ، وَخَرَجَ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَقِنٍّ وَزَوْجَةٍ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ الْمُخَالِفَةِ لِنِيَّةِ مَتْبُوعِهِ.
(وَلَوْ) (أَقَامَ بِبَلَدٍ) مَثَلًا (بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ) أَوْ بَعْدَ زَمَنٍ لَا يَبْلُغُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَلَوْ عَلِمَ بَقَاءَهَا إلَى آخِرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ انْتِظَارُ الرِّيحِ لِمُسَافِرٍ بِالْبَحْرِ وَخُرُوجُ الرُّفْقَةِ لِمَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ مَعَهُمْ إنْ خَرَجُوا وَإِلَّا فَوَحْدَهُ (قَصَرَ) يَعْنِي تَرَخَّصَ إذْ لَهُ سَائِرُ رُخَصِ السَّفَرِ، وَمَا اسْتَثْنَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، إذْ الْمَدَارُ فِي الْأُولَى عَلَى غَلَبَةِ الْمَاءِ وَفَقْدِهِ، وَالْأَمْرُ فِي الثَّانِيَةِ مَنُوطٌ بِالسَّيْرِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا) كَامِلَةً لَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ لِخَبَرٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَهَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ لِحَرْبِ هُوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» وَلَا نَظَرَ لِابْنِ جُدْعَانَ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَإِنْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ لِاعْتِضَادِهِ بِشَوَاهِدَ جَبَرَتْهُ وَصَحَّتْ رِوَايَةُ عِشْرِينَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ) مُرَادُهُ حَجَرٌ.
(قَوْلُهُ: الدَّارَكِيُّ) قَالَ فِي الْأَنْسَابِ بِفَتْحِ الرَّاءِ: دَارَكُ قَرْيَةٌ بِأَصْبَهَانَ انْتَهَى سُيُوطِيّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ) أَيْ وَتُحْسَبُ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَلِي يَوْمَ الدُّخُولِ، وَكَذَا الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي لَيْلَةَ الدُّخُولِ، وَبِهِ يَظْهَرُ رَدُّ مَا قَالَهُ الدَّارَكِيُّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ) أَيْ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الْمُدَّةُ مِنْ آخِرِ الْحَدَثِ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ (قَوْلُهُ: فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ) قَالَ سم عَلَى حَجَرٍ: قَوْلُهُ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ إلَخْ: أَيْ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَوْ نَوَاهَا غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَالْعَبْدِ وَلَوْ مَاكِثًا كَمَا سَيَأْتِي: أَيْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ انْتَهَى. لَكِنْ لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ مَاكِثًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَصَمَّمَ عَلَى قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ أَثَّرَتْ نِيَّتُهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ: أَيْ كُلٌّ مِنْ الْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ قَادِرٌ: أَيْ كَنِسَاءِ أَهْلِ مِصْرَ. .
(قَوْلُهُ: كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ) فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُخْرِجُ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ تَنْقَضِي حَاجَتُهُ قَبْلَ الْأَرْبَعِ أَوْ بَعْدَهَا فَيَشْمَلُهُ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ اهـ سم عَلَى حَجَرٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَوَحْدَهُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ إلَخْ إذَا لَمْ يَخْرُجْ الرُّفْقَةُ رَجَعَ فَلَا يَقْصُرُ انْتَهَى سم عَلَى حَجَرٍ، وَسَيَأْتِي لَهُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ لِابْنِ جُدْعَانَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يُجِزْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، وَجُدْعَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَعِبَارَتُهُ: هُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ الْقُرَشِيُّ الْبَصْرِيُّ التَّيْمِيُّ، يُعَدُّ فِي تَابِعِي الْبَصْرِيِّينَ، وَهُوَ مَكِّيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. جُدْعَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا، وَالنَّهْدِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ضَعَّفَهُ) أَيْ ابْنُ جُدْعَانُ.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ رِوَايَةُ عِشْرِينَ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ لِابْنِ جُدْعَانَ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ فَهِمَ مِنْهَا الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ خِلَافَ الْمُرَادِ، وَحَقُّ الْعِبَارَةِ: وَلَا يَقْدَحُ فِي حُسْنِهِ أَنَّ ابْنَ جُدْعَانَ أَحَدُ رُوَاتِهِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَوْلُهُ: لِاعْتِضَادِهِ بِشَوَاهِدَ إلَخْ: أَيْ فَهُوَ حَسَنٌ بِالْغَيْرِ لَا بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ) بِالتَّاءِ الْمَجْرُورَةِ كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ فَهُوَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ، وَجَعَلَهُ