للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ (قَصَرَ) فِيهَا لِوُجُودِ الْمَسَافَةِ الصَّالِحَةِ لَهُ، وَلَا يَضُرُّ قَطْعُهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا لَوْ قَطَعَهَا فِي الْبَرِّ فِي بَعْضِ يَوْمٍ عَلَى مَرْكُوبٍ جَوَادٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَ هَذَا التَّفْرِيعِ بَيَانُ أَنَّ اعْتِبَارَ قَطْعِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ فِي الْبَحْرِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي لُحُوقِهِ بِالْبَرِّ فِي اعْتِبَارِهَا مُطْلَقًا، فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى يُحْتَاجَ لِذَكَرِ ذَلِكَ بَلْ الْعِبْرَةُ بِقَصْدِ مَوْضِعٍ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ قَصْرِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ قَبْلَ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْهَا.

(وَ) ثَانِيهَا عِلْمُ مَقْصِدِهِ فَحِينَئِذٍ (يُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ) مَعْلُومٍ وَلَوْ غَيْرَ (مُعَيَّنٍ) وَقَدْ يُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الْمَعْلُومُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ (أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ سَفَرِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ فَيَتَرَخَّصَ فِيهِ، أَوْ لَا فَلَا.

نَعَمْ لَوْ سَافَرَ مُتَبَرِّعٌ وَمَعَهُ تَابِعُهُ كَأَسِيرٍ وَقِنٍّ وَزَوْجَةٍ وَجَيْشٍ وَلَمْ يَعْرِفْ مَقْصِدَهُ قَصَرَ بَعْدَ الْمَرْحَلَتَيْنِ لِتَحَقُّقِ كَوْنِ السَّفَرِ طَوِيلًا، وَقَدْ تَشْمَلُ عِبَارَتُهُ مَا لَوْ قَصَدَ كَافِرٌ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِمَا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِيمَا بَقِيَ لِقَصْدِهِ أَوَّلًا مَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْقَصْرُ لَوْ كَانَ مُتَأَهِّلًا لَهُ كَمَا سَيَأْتِي (فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ) وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ سَوَاءٌ أَسَلَكَ طَرِيقًا أَمْ لَا، وَيُسَمَّى أَيْضًا رَاكِبَ التَّعَاسِيفِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ: هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَخَالَفَهُ الدَّمِيرِيِّ، فَقَالَ: الْهَائِمُ هُوَ خَارِجٌ عَلَى وَجْهِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا وَرَاكِبُ التَّعَاسِيفِ لَا يَسْلُكُ طَرِيقًا وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهُمَا لَا يَقْصِدَانِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى. وَيَدُلُّ لَهُ جَمْعُ الْغَزَالِيِّ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ) وَبَلَغَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَصْرُ سَفَرِهِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، لَكِنَّا لَا نَقُولُ بِذَلِكَ لِحُكْمِنَا بِأَنَّ السَّفَرَ طَوِيلٌ وَلَا نَظَرَ لِقَطْعِهِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ (قَوْلُهُ: لِشِدَّةِ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ) وَمِنْ النَّحْوِ مَا لَوْ كَانَ وَلْيًا

(قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ) أَيْ بِالْمَسَافَةِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.

(قَوْلُهُ: قَصَرَ بَعْدَ الْمَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَقْصِدَ مَتْبُوعِهِ أَوْ عَلِمَهُ وَكَانَ الْبَاقِي دُونَهُمَا.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِيمَا بَقِيَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ أَوْ الصَّبِيُّ سَفَرَ قَصْرٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ هَامَ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ بَابِ بَاعَ وَهَيَمَانًا أَيْضًا بِفَتْحَتَيْنِ ذَهَبَ مِنْ الْعِشْقِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ مُخْتَارٌ.

(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى أَيْضًا) أَيْ الْهَائِمُ فَهُمَا عَلَى هَذَا مُتَسَاوِيَانِ.

(قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُمَا لَا يَقْصِدَانِ مَوْضِعًا) أَيْ وَعَلَى هَذَا فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ يَجْتَمِعَانِ فِيمَنْ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا وَلَمْ يَقْصِدْ مَحَلًّا مَعْلُومًا، وَيَنْفَرِدُ الْهَائِمُ فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ مَحَلًّا وَسَلَكَ طَرِيقًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ، فَيُفَسَّرُ رَاكِبُ التَّعَاسِيفِ بِمَنْ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا وَإِنْ قَصَدَ مَحَلًّا مَعْلُومًا، وَالْهَائِمُ بِمَنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَتَوَجَّهُ سَلَكَ طَرِيقًا أَوْ لَا فَيَجْتَمِعَانِ فِيمَنْ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا وَلَمْ يَقْصِدْ مَحَلًّا، وَيَنْفَرِدُ الْهَائِمُ فِيمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا وَلَمْ يَقْصِدْ مَحَلًّا مَعْلُومًا، وَرَاكِبُ التَّعَاسِيفِ فِيمَنْ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا وَقَصَدَ مَحَلًّا مَعْلُومًا.

(قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيِّ، وَقَوْلُهُ جَمَعَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ إلَخْ) فِي انْدِفَاعِهِ بِمَا ذَكَرَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، إذْ حَاصِلُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ عِبَارَتَهُ فِي هَذَا التَّفْرِيعِ تُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي الْبَحْرِ إلَّا إذَا قَطَعَ الْمَسَافَةَ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لِمَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ لَا يَنْدَفِعُ بِمَا ذَكَرَ وَإِنَّمَا يَنْدَفِعُ بِهِ مَا قَدْ يُقَالُ: لَا وَجْهَ لِإِلْحَاقِ الْبَحْرِ بِالْبَرِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ فِيهِ فِي سَاعَةٍ، فَيَنْبَغِي فِي تَقْدِيرِهِ بِمَسَافَةٍ أَوْسَعَ مِنْ مَسَافَةِ الْبَرِّ، فَفَرَّعَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مَا ذَكَرَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: مَعْلُومٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ صَمَّمَ الْهَائِمُ عَلَى سَيْرِ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ أَوَّلِ سَفَرِهِ لَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فِي جِهَةٍ كَأَنْ قَالَ إنْ سَافَرْت لِجِهَةِ الشَّرْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ مَرْحَلَتَيْنِ أَوْ لِجِهَةِ الْغَرْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقْصُرُ، وَهُوَ وَاضِحٌ بِقَيْدِهِ الْآتِي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ كَوْنِ السَّفَرِ طَوِيلًا) أَيْ مَعَ الْعُذْرِ الْقَائِمِ لِيُفَارِقَ الْهَائِمَ الْآتِيَ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ) يَأْتِي مِثْلُهُ فِي نَحْوِ الْأَسِيرِ وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عُذْرُ هَذَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>