للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدَمَ فِيهَا، أَوْ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِحَوَّاءَ فِيهَا فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ: أَيْ الْبَيِّنِ الْمُعَظَّمِ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

نَفْسِي الْفِدَاءُ لِأَقْوَامٍ هُمْ خَلَطُوا ... يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَوْرَادًا بِأَوْرَادِ

وَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَيَوْمُهَا أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَخَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنْ النَّارِ، مَنْ مَاتَ فِيهِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَهِيَ بِشُرُوطِهَا فَرْضُ عَيْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] هُوَ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ الْخُطْبَةِ، فَأَمَرَ بِالسَّعْيِ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَإِذَا وَجَبَ السَّعْيُ وَجَبَ مَا يُسْعَى إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَلَا يُنْهَى عَنْ فِعْلٍ مُبَاحٍ إلَّا لِفِعْلٍ وَاجِبٍ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» وَفُرِضَتْ بِمَكَّةَ وَلَمْ تَقُمْ بِهَا لِفَقْدِ الْعَدَدِ أَوْ لِأَنَّ شِعَارَهَا الْإِظْهَارُ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِحَوَّاءَ) أَيْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا (قَوْلُهُ: وَكَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ: وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأَحَدَ أَوَّلَ وَالِاثْنَيْنِ أَهْوَنَ وَالثُّلَاثَاءَ جُبَارًا وَالْأَرْبِعَاءَ دُبَارًا وَالْخَمِيسَ مُؤْنِسًا وَالسَّبْتَ شِيَارًا. قَالَ الشَّاعِرُ:

أُؤَمِّلُ أَنْ أَعِيشَ وَإِنَّ يَوْمِي ... بِأَوَّلَ أَوْ بِأَهْوَنَ أَوْ جُبَارٍ

أَوْ التَّالِي دُبَارُ فَإِنْ أَفُتْهُ ... فَمُؤْنِسُ أَوْ عَرُوبَةُ أَوْ شِيَارُ

وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْأَهْوَنُ لِرَجُلٍ وَاسْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَفِيهِ أَيْضًا أَهْوَنُ كَأَحْمَدَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَفِيهِ أَوْهَدُ كَذَلِكَ، وَجُبَارٌ كَغُرَابٍ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ وَيُكْسَرُ، وَفِيهِ أَيْضًا دُبَارٌ كَغُرَابٍ وَكِتَابٍ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ لَيْلَتُهُ، وَفِيهِ أَيْضًا شِيَارٌ كَكِتَابٍ يَوْمُ السَّبْتِ جَمْعُهُ بِالْكَسْرِ، وَفِيهِ وَعَرُوبَةُ وَبِاللَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: أَوْرَادًا بِأَوْرَادٍ) أَيْ اشْتَغَلُوا بِهَا وِرْدًا بَعْدَ وِرْدٍ (قَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ فِيهِ) أَوْ فِي لَيْلَتِهِ (قَوْلُهُ وَفِي فِتْنَةِ الْقَبْرِ) أَيْ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى السُّؤَالِ وَأَمَّا هُوَ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ أَحَدٍ مَا عَدَا الْأَنْبِيَاءَ فَلَا يُسْأَلُونَ قَطْعًا، وَكَذَا الصِّبْيَانُ عَلَى الْأَصَحِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الصَّبِيُّ لَا يُسَنُّ تَلْقِينُهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يُسْئَلُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ لَا يُفْتَنُ بِأَنْ يُلْهَمَ الصَّوَابَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ (قَوْلُهُ: مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمْعٍ تَهَاوُنًا) أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ لِعُذْرٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اعْتِرَافُهُ بِوُجُوبِهَا وَأَنَّ تَرْكَهَا مَعْصِيَةٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُتَوَالِيَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمُتَوَالِيَةُ (قَوْلُهُ: طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) أَيْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِهِ شَيْئًا كَالْخَاتَمِ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْمَوَاعِظِ وَالْحَقِّ (قَوْلُهُ: وَفُرِضَتْ بِمَكَّةَ) وَنُقِلَ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهَا فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى أَصْحَابِهِ بِالْمَدِينَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ اسْتَقَرَّ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ لِزَوَالِ الْعُذْرِ الَّذِي كَانَ قَائِمًا بِهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ طَلَبَ فِعْلَهَا بِمَكَّةَ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَتَّفِقْ لَهُمْ فِعْلُهَا لِلْعُذْرِ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَوُجِدَ بِالْمَدِينَةِ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُخَاطَبُوا بِهَا إلَّا فِيهَا.

وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَأَوَّلُ جُمُعَةٍ صُلِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ جُمُعَةٌ أَقَامَهَا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فِي بَنِي بَيَاضَةَ بِنَقِيعِ الْخَضِمَاتِ، «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفَذَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ فَنَزَلَ عَلَى أَسْعَدَ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ مِنْ النُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِ الْجُمُعَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ» . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُمُعَةٌ بِجُوَاثَى» قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ انْتَهَى.

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: ٩] هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْوُجُوبِ لَا عَلَى أَنَّهُ عَيْنِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>