بِهَا مُسْتَخْفِيًا. وَأَوَّلُ مَنْ أَقَامَهَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، بِقَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. وَالْجَدِيدُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ ظُهْرًا مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَقْتُهُ تُتَدَارَكُ بِهِ بَلْ صَلَاةً مُسْتَقِلَّةً لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا، وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ حَسَنٌ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ.
وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالْآدَابِ (إنَّمَا) (تَتَعَيَّنُ) أَيْ تَجِبُ عَيْنًا (عَلَى كُلِّ) مُسْلِمٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ وَأُلْحِقَ بِهِ مُتَعَدٍّ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا (حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ) بِمَحَلِّهَا أَوْ بِمَحَلٍّ يُسْمَعُ فِيهِ نِدَاؤُهَا (بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ) كَجُوعِ وَعَطَشٍ وَعُرْيٍ وَخَوْفٍ، وَشَمَلَ ذَلِكَ أَجِيرَ الْعَيْنِ حَيْثُ أَمِنَ فَسَادَ الْعَمَلِ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لِخَبَرِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، إلَّا امْرَأَةٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ مَرِيضٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ هُنَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدُنِ مَا نَصُّهُ: جُمِّعَتْ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْ فِي الْمَدِينَةِ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَقَدْ تُهْمَزُ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ خَفِيفَةٌ مَفْتُوحَةٌ مَقْصُورَةٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ مَنْ أَقَامَهَا بِالْمَدِينَةِ) أَيْ بِجِهَةِ الْمَدِينَةِ انْتَهَى سم عَلَى حَجَرٍ: أَيْ أَوْ أَطْلَقَ الْمَدِينَةَ عَلَى مَا يَشْمَلُ مَا قَرُبَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: بِقَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ) وَاسْمُهَا نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: تُتَدَارَكُ) أَيْ الْجُمُعَةُ (قَوْلُهُ: رَكْعَتَانِ تَمَامٌ) أَيْ صَلَاةٌ كَامِلَةٌ (قَوْلُهُ وَمَعْلُومٌ) أَيْ مِنْ الدِّينُ بِالضَّرُورَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِهِ مُتَعَدٍّ) يُفِيدُ تَعَيُّنَهَا عَلَيْهِ وَأَنَّ الْقَضَاءَ فَرْعُ ذَلِكَ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَإِنْ لَزِمَ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ عِنْدَ التَّعَدِّي قَضَاؤُهَا ظُهْرًا كَغَيْرِهَا انْتَهَى. إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ الشَّارِحُ الْإِلْحَاقَ فِي انْعِقَادِ السَّبَبِ لَا فِي التَّكْلِيفِ (قَوْلُهُ: كَجُوعٍ وَعَطَشٍ) أَيْ شَدِيدَيْنِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهِمَا مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ.
(قَوْلُهُ: وَشَمَلَ ذَلِكَ أَجِيرَ الْعَيْنِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِجَارَةَ مَتَى أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ لِلصَّحِيحَةِ، وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ إحْضَارِ الْخُبْزِ لِمَنْ يَخْبِزُهُ وَيُعْطِي مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَلَيْسَ اشْتِغَالُهُ بِالْخُبْزِ عُذْرًا بَلْ يَجِبُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَلَفِهِ مَا لَمْ يُكْرِهُهُ صَاحِبُ الْخُبْزِ عَلَى عَدَمِ الْحُضُورِ فَلَا يَعْصِي، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَكَانَ لَوْ تَرَكَهُ وَذَهَبَ إلَى الْجُمُعَةِ تَلِفَ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا، وَإِنْ أَثِمَ بِأَصْلِ اشْتِغَالِهِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى تَلَفِهِ لَوْ ذَهَبَ إلَى الْجُمُعَةِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَقِيَّةُ الْعَمَلَةِ كَالنَّجَّارِ وَالْبَنَّاءِ وَنَحْوِهِمَا، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ كَابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَفْسُدْ عَمَلُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَإِنْ زَادَ مِنْهُ عَلَى زَمَنِ صَلَاتِهِ بِمَحَلِّ عَمَلِهِ وَلَوْ طَالَ. وَعِبَارَةُ الْإِيعَابِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ عُذْرًا فِي الْجُمُعَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِهَا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ زَمَنِهَا زَمَنُ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ الرَّاتِبَةِ وَالْمَكْتُوبَةِ وَلَوْ جُمُعَةً، وَبَحْثُ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمْكِينُهُ مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ لِلْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، قَالَ: وَلَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ بُعْدِهِ أَوْ كَوْنِ إمَامِهِ يُطِيلُ الصَّلَاةَ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَتَتَكَرَّرُ فَاشْتُرِطَ لِاغْتِفَارِهَا أَنْ لَا يَطُولَ زَمَنُهَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَاكْتُفِيَ بِتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ فُرَادَى، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ تَسْقُطْ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهَا، لِأَنَّ سُقُوطَهَا يُفَوِّتُ الصَّلَاةَ بِلَا بَدَلٍ. (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) لَعَلَّ اقْتِصَارَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: تُتَدَارَكُ بِهِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِالْوَاوِ وَمَعْنَى تَدَارُكِهَا بِهِ فِعْلُهَا ظُهْرًا إذَا فَاتَتْ
(قَوْلُهُ: كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ) إنْ كَانَ مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ خُصُوصَ كَوْنِهِ مَرْفُوعًا، وَهُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute