وَهُوَ صَحِيحٌ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُصْفُورٍ: فَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي قَبْلَ إلَّا مُوجَبًا جَازَ فِي الِاسْمِ الْوَاقِعِ بَعْدَ إلَّا وَجْهَانِ أَفْصَحُهُمَا النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، الْآخَرُ أَنْ تَجْعَلَهُ مَعَ إلَّا تَابِعًا لِلِاسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَتَقُولُ: قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا بِنَصَبِهِ وَرَفْعِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ بِالرَّفْعِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «فَلَمَّا تَفَرَّقُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلَّا أَبُو قَتَادَةَ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي شَرْحِ اللُّمَع: وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ إلَّا صِفَةً وَيَكُونُ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَ إلَّا مُعْرَبًا بِإِعْرَابِ مَا قَبْلَهَا، تَقُولُ: قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدٌ وَرَأَيْت الْقَوْمَ إلَّا زَيْدًا وَمَرَرْت بِالْقَوْمِ إلَّا زَيْدٍ فَيُعْرَبُ مَا بَعْدَ إلَّا إعْرَابَ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الصِّفَةَ تَتْبَعُ الْمَوْصُوفَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْرَابُ عَلَى إلَّا لَكِنَّ إلَّا حَرْفٌ لَا يُمْكِنُ إعْرَابُهُ فَنُقِلَ إعْرَابُهُ إلَى مَا بَعْدَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ غَيْرَ لَمَّا كَانَتْ اسْمًا ظَهَرَ الْإِعْرَابُ فِيهَا إذَا كَانَتْ صِفَةً تَقُولُ: قَامَ الْقَوْمُ غَيْرُ زَيْدٍ، وَرَأَيْت الْقَوْمَ غَيْرَ زَيْدٍ، وَمَرَرْت بِالْقَوْمِ غَيْرِ زَيْدٍ انْتَهَى.
عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ الْمَنْصُوبَ بِهَيْئَةِ الْمَرْفُوعِ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا مَنْصُوبٌ بِهَا أَوْ أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، فَلَا جُمُعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ، وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ كَمَا يَأْتِي، وَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ سَفَرًا مُبَاحًا وَلَوْ قَصِيرًا لِاشْتِغَالِهِ، وَلَا عَلَى مَرِيضٍ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، وَيَجِبُ أَمْرُ الصَّبِيِّ بِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ كَمَا مَرَّ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَالِكِ الْقِنِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي حُضُورِهَا، وَلِعَجُوزٍ فِي ثِيَابٍ بَذَلَتْهَا مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ أَيْضًا حُضُورُهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ الْجَمَاعَةِ. وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِمَرِيضٍ أَطَاقَهُ. وَضَابِطُهُ أَنْ يَلْحَقَهُ بِحُضُورِهَا مَشَقَّةٌ كَمَشَقَّةِ مَشْيِهِ فِي الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ نَازَعَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَنَحْوِهِ أَرَادَ بِهِ الْأَعْذَارَ الْمُرَخِّصَةَ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَضُرُّهُ ذِكْرُهَا عَقِبَهَا لِأَنَّ هَذَا تَصْرِيحٌ بِبَعْضِ مَا خَرَجَ بِالضَّابِطِ كَقَوْلِهِ وَالْمُكَاتَبِ إلَى آخِرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الضَّابِطَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى الْأَرْبَعَةِ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا مَوْجُودِينَ إذْ ذَاكَ وَيُقَاسُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ صَحِيحٌ) أَيْ الدَّفْعُ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ) أَيْ شَاذًّا (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى رِوَايَةِ: أَرْبَعَةً امْرَأَةٌ إلَخْ وَأَمَّا بِدُونِهَا فَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِتَقْدِيرِ الْمُسْتَثْنَى مَحْذُوفًا كَأَنْ يُقَالَ: لَا يَتْرُكُهَا أَحَدٌ إلَّا أَرْبَعَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا جُمُعَةَ) أَيْ وَاجِبَةً. (قَوْلُهُ: وَلِعَجُوزِ فِي ثِيَابٍ بَذَلَتْهَا) أَيْ وَيُسْتَحَبُّ لِعَجُوزٍ إلَخْ حَيْثُ أَذِنَ زَوْجُهَا أَوْ كَانَتْ خَلِيَّةً، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْحُضُورُ لِلشَّابَّةِ وَلَوْ فِي ثِيَابٍ بَذَلَتْهَا. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِمَرِيضٍ أَطَاقَهُ) أَيْ الْحُضُورَ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا) أَيْ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ. (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبِ) اللَّامُ مِنْ الْحِكَايَةِ لَا مِنْ الْمَحْكِيِّ إذْ الْآتِي فِي كَلَامِهِ وَمُكَاتَبٍ.
[حاشية الرشيدي]
وَهُوَ صَحِيحٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ مَضْبُوطًا بِالرَّفْعِ، فَيُقَالُ مَا وَجْهُ إسْنَادِ نَقْلِ هَذَا لِلشَّارِحِ مَعَ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ، وَمَا وَجْهُ التَّعْبِيرِ فِي هَذَا بِلَفْظِ النَّقْلِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ لَفْظَ الضَّبْطِ أَوْ نَحْوَهُ، وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَذَا نَقَلَهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرِهِ الشَّارِحُ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْآتِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ) مَقُولُ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ إلَّا صِفَةً) فِيهِ أَنَّ الضَّمِيرَ لَا يُوصَفُ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ صِفَةً) فِيهِ أَنَّ غَيْرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَتْ صِفَةً، إذْ لَا تُوصَفُ الْمَعْرِفَةُ بِالنَّكِرَةِ، وَهِيَ لِتَوَغُّلِهَا فِي الْإِبْهَامِ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ لِلْمَعْرِفَةِ إلَّا إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ ضِدَّيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّحْوِيُّونَ، بَلْ هِيَ فِي حَالَةِ النَّصْبِ تُعْرَبُ حَالًا وَفِي غَيْرِهَا تُعْرَبُ بَدَلًا (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ) لَعَلَّهُ يَجْعَلُ إلَّا بِمَعْنَى لَكِنَّ، وَالتَّقْدِيرُ: لَكِنَّ الْمُسْتَثْنَى امْرَأَةٌ إلَخْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَضَابِطُهُ) يَعْنِي الْمَرِيضَ الَّذِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ عَقِبَهُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: بِبَعْضِ مَا خَرَجَ بِالضَّابِطِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute