إذْ الْجُمُعَةُ لَهَا بَدَلٌ، بِخِلَافِ الْوَقْتِ، أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِتَجْهِيزِ مَيِّتِ عُذْرٌ أَيْضًا، وَكَذَا إسْهَالٌ لَا يَضْبِطُ مَعَهُ نَفْسَهُ وَيُخْشَى مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَالْجِنْسُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ عُذْرٌ إنْ مَنَعَهُ الْحَاكِمُ وَلَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ أَفْتَى الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ إطْلَاقِهِ لِفِعْلِهَا، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ عُذْرٌ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِيهِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ.
وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْحَبْسِ أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرَ كَغَالِبِ الْأَوْقَاتِ فِي حُبُوسِ الْقَاهِرَةِ وَمِصْرَ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَإِنْ نُوزِعُ فِيهِ لُزُومُ الْجُمُعَةِ لَهُمْ لِأَنَّ إقَامَتَهَا فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَالتَّعَدُّدُ يَجُوزُ عِنْدَ عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ، فَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْلَى، وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ وُجُوبُ النَّصْبِ عَلَى الْإِمَامِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ فَهَلْ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي لَا يَعْسُرُ فِيهَا الِاجْتِمَاعُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ لَهُمْ لِأَنَّهَا جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ لَهُمْ وَمَشْرُوعَةٌ أَمْ لَا؟ لِأَنَّا إنَّمَا جَوَّزْنَاهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ، الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ (وَ) لَا عَلَى (مُكَاتَبٍ) لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ إشَارَةً إلَى خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ دُونَ الْقِنِّ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَلَوْ فِي نَوْبَتِهِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَتْ الْجُمُعَةُ فِي نَوْبَتِهِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ الْمُقَابِلِ اللُّزُومَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُرَادٍ.
(وَمَنْ صَحَّتْ ظَهْرُهُ) مِمَّنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ (صَحَّتْ جُمُعَتُهُ) بِالْإِجْمَاعِ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِطُهْرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا سَقَطَتْ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ لِلْمَشَقَّةِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِتَجْهِيزِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُجَهِّزُ مِمَّنْ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ بِالْمَيِّتِ كَابْنِهِ وَأَخِيهِ، بَلْ الْمُتَبَرِّعُ بِمُسَاعَدَةِ أَهْلِهِ حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ مَعْذُورٌ. أَمَّا مَنْ يَحْضُرُ عِنْدَ الْمُجَهِّزِينَ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَنَةٍ بَلْ لِلْمُجَامِلَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي حَقِّهِمْ وَمِثْلُهُمْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ (قَوْلُهُ: عُذْرٌ أَيْضًا) وَمِنْ الْعُذْرِ أَيْضًا مَا لَوْ اشْتَغَلَ بِرَدِّ زَوْجَتِهِ النَّاشِزَةِ، كَذَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ انْتَهَى.
وَهَلْ مِثْلُ زَوْجَتِهِ مَا لَوْ اشْتَغَلَ بِرَدِّ زَوْجَةِ غَيْرِهِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْحَقَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ وَإِنْ تَوَقَّفَ رَدُّهَا عَلَى حُضُورِهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِ خُصُوصِيَّةٌ كَزَوْجَةِ وَلَدِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ بِزَوْجَتِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُهُ يَرُدُّ زَوْجَتَهُ: أَيْ حَيْثُ تَوَقَّفَ رَدُّهَا عَلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِأَنْ كَانَ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ أَوْ كَانَتْ هِيَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ عُذْرًا (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ) يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرَ مَصْلَحَةً فِي الْحَبْسِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ لِلْحَاكِمِ الْمَنْعُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ) أَيْ الْحَبْسَ عُذْرٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِيهِ: أَيْ فِي سَبَبِهِ: وَقَوْلُهُ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ مُعْتَمَدٌ.
[فَرْعٌ] لَوْ اجْتَمَعَ فِي مَكَان أَرْبَعُونَ مَرِيضًا وَأَمْكَنَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي الْحُضُورِ أَوْ لَا أَخْذًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ؟ لَا يَبْعُدْ الْأَوَّلُ وِفَاقًا لِ م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَاعْتَمَدَ حَجّ فِي شَرْحِهِ الثَّانِي، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قِيلَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ غَيْرُهُمْ وَأَمْكَنَهُمْ إقَامَتُهَا بِمَحَلِّهِمْ لَزِمَتْهُمْ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّهُ لَا تَعَدُّدَ هُنَا، وَالْحَبْسُ إنَّمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ حُضُورِ مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ وُجُوبُ النَّصْبِ عَلَى الْإِمَامِ) أَيْ نَصْبِ الْخَطِيبِ لِلْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ مَنْ يَصْلُحُ) أَيْ لِلْخُطْبَةِ فَلَا يُقَالُ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَمَا فَائِدَةُ نَصْبِ الْإِمَامِ وَاحِدًا لَهُمْ، لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ النَّصْبِ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ خَلْفَهُ، عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي صِحَّةُ صَلَاةِ الْأُمِّيِّينَ خَلْفَ الْقَارِئِ حَيْثُ لَمْ يُقَصِّرُوا بِالتَّعَلُّمِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ التَّقْصِيرُ لَا ارْتِبَاطُ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ: الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَعْطِيلُ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْحَبْسِ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَيَسَّرْ اجْتِمَاعُ الْكُلِّ فِي الْحَبْسِ وَفِعْلُهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: إشَارَةً إلَى خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ حَجّ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute