وَالْمُسَافِرِ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالصِّحَّةِ مُسَاوٍ لِتَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْإِجْزَاءِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ، وَدَعْوَى مَنْ قَالَ: إنَّ تَعْبِيرَ الْأَصْلِ أَصْوَبُ لِإِشْعَارِهِ بِسُقُوطِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الصِّحَّةِ مَمْنُوعَةٌ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ فَلِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ أَوْلَى: أَيْ بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّ مَنْ تَلْزَمُهُ هُوَ الْأَصْلُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَهُ، فَإِذَا أَجْزَأْت الْأَصْلَ أَجْزَأْت التَّابِعَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَلَهُ) أَيْ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ (أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ) يَعْنِي مِنْ مَحَلِّ إقَامَتِهَا، وَآثَرَ الْجَامِعَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ إقَامَتُهَا فِيهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا، إذْ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ وَهُوَ النُّقْصَانُ لَا يَرْتَفِعُ بِحُضُورِهِمْ، وَتَعْبِيرُهُ بِالِانْصِرَافِ: يَسْتَلْزِمُ جَوَازُ تَرْكِهِ الْجُمُعَةَ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمَعْذُورِ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِخِلَافِهِ (إلَّا الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ) أَيْ مِمَّنْ أُلْحِقَ بِهِ كَالْأَعْمَى لَا يَجِدُ قَائِدًا (فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ) قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا (إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ) قَبْلَ انْصِرَافِهِ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي حَقِّهِ مَشَقَّةُ الْحُضُورِ وَبِهِ زَالَ الْمَانِعُ وَتَعَبُ الْعَوْدِ لَا بُدَّ مِنْهُ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ) فِعْلَهَا وَلَمْ تَقُمْ الصَّلَاةُ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ، فَإِنْ أُقِيمَتْ امْتَنَعَ عَلَى الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ. بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَقَطْ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اللُّزُومِ الصِّفَاتُ الْقَائِمَةُ بِهِمْ وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ، وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ الِانْصِرَافِ بَعْدَ إقَامَتِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي إقَامَتِهِ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ، كَإِسْهَالٍ بِهِ ظَنَّ انْقِطَاعَهُ فَحَضَرَ ثُمَّ أَحَسَّ بِهِ، بَلْ لَوْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ سَبْقَهُ لَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي الصَّلَاةِ لَوْ مَكَثَ فَلَهُ الِانْصِرَافُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
وَلَوْ زَادَ تَضَرُّرُ الْمَعْذُورِ بِطُولِ صَلَاةِ الْإِمَامِ كَأَنْ قَرَأَ بِالْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ أَيْضًا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ سَوَاءٌ أَكَانَ أَحْرَمَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقِيلَ تَجِبُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ (قَوْلُهُ: مَمْنُوعَةٌ) أَيْ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الصِّحَّةَ مُسَاوِيَةٌ لِلْإِجْزَاءِ: يَعْنِي وَالْإِجْزَاءُ هُوَ الْكِفَايَةُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالصِّحَّةِ) خَبَرُ قَوْلِهِ: وَقَوْلُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ) يَشْمَلُ مَنْ أَكَلَ ذَا رِيحٍ كَرِيهٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي حَجّ خِلَافُهُ، قَالَ: وَتَضَرُّرُ الْحَاضِرِينَ بِهِ يُحْتَمَلُ أَوْ يَسْهُلُ زَوَالُهُ بِتَوَقِّي رِيحِهِ وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ هُنَا يَشْمَلُ مَنْ أَكَلَ ذَا رِيحٍ كَرِيهٍ فَلْيَنْظُرْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْهَامِشِ انْتَهَى. وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ قَوْلُهُ وَأَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ لَا فَرْقَ عَلَى الْأَوْجَهِ بَيْنَ مَنْ أَكَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، نَعَمْ إنْ أَكَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ أَثِمَ فِي الْجُمُعَةِ وَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ، وَقَضِيَّةُ عَدَمِ السُّقُوطِ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ وَإِنْ تَأَذَّى النَّاسُ، وَاعْتَمَدَهُ م ر انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ حَجّ مِنْ قَوْلِهِ وَتَضَرُّرُ الْحَاضِرِينَ إلَخْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَكْلُ ذِي الرِّيحِ الْكَرِيهِ عُذْرًا مُطْلَقًا (قَوْله إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ) فَلَوْ انْصَرَفَ حِينَئِذٍ أَثِمَ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ؟ الْوَجْهُ لَا وِفَاقًا لَمْ ر انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلِهِ فَإِنْ أُقِيمَتْ امْتَنَعَ إلَخْ) نَعَمْ إنْ كَانَ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ حُضُورِهِ فَالْوَجْهُ جَوَازُ الِانْصِرَافِ، ثُمَّ رَأَيْت ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ فَوْتِهَا الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ لَوْ مَكَثَ فَلَهُ الِانْصِرَافُ) أَيْ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ.
(قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ) أَيْ بِأَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَبِأَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ وَيُكَمِّلَ مُنْفَرِدًا إنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَلْحَقْهُ ضَرَرٌ بِالتَّكْمِيلِ وَإِلَّا جَازَ لَهُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرُهُ بِالِانْصِرَافِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ تَرْكِهِ الْجُمُعَةَ) أَيْ مَعَ حُضُورِهِ مَحَلَّهَا نَظَرًا إلَى الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ (قَوْلُهُ: فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِخِلَافِهِ) أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّ جَوَازَ الِانْصِرَافِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ أَصْلِ التَّرْكِ: أَيْ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute