أَنَّ مَا سَمِعَهُ نِدَاءُ جُمُعَةٍ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ (عَالٍ) يُؤَذِّنُ كَعَادَتِهِ فِي عُلُوِّ الصَّوْتِ (فِي هُدُوٍّ) أَيْ سُكُونٍ لِلْأَصْوَاتِ وَالرِّيَاحِ (مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ) لِخَبَرِ «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» وَلِأَنَّ الْقَرْيَةَ كَالْبَلَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى عَالٍ، لِأَنَّهُ لَا ضَبْطَ لِحَدِّهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَلْدَةُ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ أَشْجَارٍ كَطَبَرِسْتَانَ فَإِنَّهَا بَيْنَ أَشْجَارٍ تَمْنَعُ بُلُوغَ الصَّوْتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعُلُوُّ عَلَى مَا يُسَاوِي الْأَشْجَارَ، وَاسْتِثْنَاؤُهُمْ ذَلِكَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ السَّمَاعُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ فَعِنْدَ وُجُودِهِ يُقَدَّرُ زَوَالُهُ أَوْ الْعُلُوُّ عَلَى مَا يُسَاوِيهِ.
وَاعْتُبِرَ الطَّرَفُ الَّذِي يَلِيهِمْ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ قَدْ تَكْبُرُ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ أَطْرَافَهَا النِّدَاءُ بِوَسَطِهَا فَاحْتِيطَ لِلْعِبَادَةِ وَاعْتُبِرَ هُدُوُّ الْأَصْوَاتِ وَالرِّيَاحِ لِئَلَّا يَمْنَعَا بُلُوغَ النِّدَاءِ أَوْ تُعِينُ غَلَبَةُ الرِّيَاحِ، وَلَوْ سَمِعَ الْمُعْتَدِلُ مِنْ بَلَدَيْنِ فَحُضُورُ الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا جَمَاعَةً أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَوْجَهُ مُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ كَنَظِيرِهِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَيُحْتَمَلُ مُرَاعَاةُ الْأَبْعَدِ لِكَثْرَةِ الْأَجْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَلَا بَلَغَهُمْ الصَّوْتُ الْمُعْتَبَرُ (فَلَا) تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ مُرْتَفِعَةً فَسُمِعَتْ وَلَوْ سَاوَتْ لَمْ تُسْمَعْ، أَوْ كَانَتْ مُنْخَفِضَةً فَلَمْ تُسْمَعْ وَلَوْ سَاوَتْ لَسُمِعَتْ لَزِمَتْ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَارُّ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، إذْ لَوْ أُخِذَ بِظَاهِرِهِ لَزِمَتْ الْبَعِيدَ الْمُرْتَفِعَ دُونَ الْقَرِيبِ الْمُنْخَفِضِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ كَانَ بِمُنْخَفَضٍ لَا يُسْمَعُ النِّدَاءُ وَلَوْ اسْتَوَتْ لَسَمِعَهُ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ أَنْ تُبْسَطَ هَذِهِ الْمَسَافَةُ أَوْ أَنْ يَطْلُعَ فَوْقَ الْأَرْضِ مُسَامِتًا لِمَا هُوَ فِيهِ الْمَفْهُومُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الْعَادَةِ، فَإِنَّ حَدِيدَ السَّمْعِ قَدْ يَسْمَعُ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ كَنِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: أَنَّ مَا سَمِعَهُ نِدَاءُ جُمُعَةٍ) هُوَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِي الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا فَالْمَدَارُ عَلَى سَمَاعِ الصَّوْتِ وَعَدَمِهِ، فَمَا أَفْهَمَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ لَيْسَ مُرَادًا (قَوْلُهُ: مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ) لَعَلَّ ضَابِطَهُ مَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: سَكَتُوا عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ الْمُسْتَمِعُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَتِهِ بِرّ، وَمَالَ م ر إلَى هَذَا الظَّاهِرِ وَقَالَ: مَنْ سَمِعَ مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلَا.
وَحَاصِلُ الَّذِي تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاعْتَمَدَهُ م ر أَنَّ ضَابِطَ مَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ مَا يُمْنَعُ الْقَصْرُ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ، فَشَمَلَ الْمَسْجِدَ الْخَارِجَ عَنْ الْبَلَدِ بِأَنْ خَرِبَ مَا بَيْنَ الْبَلَدِ وَبَيْنَهُ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَهْجُرُوهُ بَلْ يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهِ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْمَسْجِدُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ بِجَانِبِ الْبَلَدِ مُنْفَصِلًا عَنْهَا قَلِيلًا مَعَ تَرَدُّدِهِمْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ لِبَلَدٍ سُورًا وَاتَّصَلَتْ بِهِ الْعِمَارَةُ وَاتَّسَعَتْ بِهِ الْخُطَّةُ جِدًّا وَلَيْسَ بِهَا مَحَلٌّ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ إلَّا دَاخِلَ السُّورِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَسْمَعُ الصَّوْتَ الْعَالِيَ فِي الْهُدُوِّ مِنْ الطَّرَفِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ وَرَاءِ السُّورِ بِفَرْضِ زَوَالِ الْأَبْنِيَةِ إنْ فُرِضَ أَنَّهَا تَمْنَعُ السَّمَاعَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، أَمَّا لَوْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْعُمْرَانِ وَفِي دَاخِلِ السُّورِ وَسَمِعَ أَهْلُ الْأَبْنِيَةِ نِدَاءَ مَنْ بِطَرَفِ الْعُمْرَانِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا نِدَاءَ مَنْ هُوَ دَاخِلَ السُّورِ، لِأَنَّ وُجُودَ السُّورِ صَيَّرَ كُلًّا مِنْ الْعُمْرَانِ وَدَاخِلِ السُّورِ كَبَلَدٍ مُسْتَقِلَّةٍ (قَوْلُهُ: لَا ضَبْطَ لَحَدِّهِ) أَيْ الْعَالِي (قَوْلُهُ:) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ هِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ اسْمُ بِلَادٍ بِالْعَجَمِ (قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ مُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ) أَيْ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَزِمَتْ الثَّانِيَةُ) أَيْ أَهْلَ الثَّانِيَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَارُّ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ " الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ " (قَوْلُهُ: أَوْ أَنْ يَطْلُعَ فَوْقَ الْأَرْضِ) فِي الْمُخْتَارِ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَالْكَوَاكِبُ مِنْ بَابِ دَخَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَطُلِعَ الْجَبَلُ بِالْكَسْرِ طُلُوعًا انْتَهَى. وَمَا هُنَا مِنْ الثَّانِي
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute