مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ. وَلَوْ كَانَ بَقَرِيَّةٍ أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ حَرُمَ عَلَيْهِمْ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ.
وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ أَنْ يُصَلُّوهَا فِي الْمِصْرِ سَمِعُوا النِّدَاءَ أَمْ لَا لِتَعْطِيلِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي مَحَلِّهِمْ، خِلَافًا لِمَنْ صَرَّحَ بِالْجَوَازِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ سُقُوطُ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ لَوْ فَعَلُوا وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ، إذْ الْإِسَاءَةُ لَا تُنَافِي الصِّحَّةَ، وَلَوْ وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَضَرَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ بَلَغَهُمْ النِّدَاءُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ صَلَاتِهَا وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ وَإِنْ قَرُبُوا مِنْهَا وَسَمِعُوا النِّدَاءَ وَأَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُهَا لَوْ عَادُوا إلَيْهَا لِخَبَرِ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَشْهَدَ مَعَنَا الْجُمُعَةَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ أَوْ بِالْعُودِ إلَى الْجُمُعَةِ لَشُقَّ عَلَيْهِمْ وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالْمَشَاقِّ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَحْضُرُوا كَأَنْ صَلَّوْا الْعِيدَ بِمَكَانِهِمْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَحَلُّ مَا مَرَّ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ فَإِنْ دَخَلَ عَقِبَ سَلَامِهِمْ مِنْ الْعِيدِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَرْكُهَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ.
(وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ) الْجُمُعَةُ بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ كَمُقِيمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ (السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِأَنَّ وُجُوبَهَا قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَفْوِيتُهَا بِهِ (إلَّا أَنْ تُمْكِنُهُ الْجُمُعَةَ فِي) مَقْصِدِهِ أَوْ (طَرِيقِهِ) بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إدْرَاكُهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمُضَارِعُهُ عَلَى يَفْعَلُ بِالْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِمُسْتَوٍ لَسَمِعُوهُ، الْمُرَادُ لَوْ فُرِضَتْ مَسَافَةُ انْخِفَاضِهَا مُمْتَدَّةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهِيَ عَلَى آخِرِهَا لَسُمِعَتْ، هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقِيسَ عَلَيْهِ نَظِيرُهُ فِي الْأَوْلَى بِرّ، وَاعْتَمَدَ م ر كَأَبِيهِ نَحْوَ هَذَا، وَهِيَ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الشَّارِحِ، وَالْأَقْرَبُ مَا فِي سم، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا، ثُمَّ رَأَيْته فِي حَاشِيَةِ حَجّ اسْتَوْجَبَهُ أَيْضًا، وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ نَقْلِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ بِهِ عَنْ بِرّ مَا نَصُّهُ: وَهُوَ حَقٌّ وَجِيهٌ، وَإِنْ تَبَادَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ تُفْرَضَ الْقَرْيَةُ عَلَى أَوَّلِ الْمُسْتَوَى فَلَا تُحْسَبُ مَشَقَّةُ الِانْخِفَاضِ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ فِي هَذَا نَظَرًا لَا يَخْفَى، إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ طَالَتْ مَسَافَةُ الِانْخِفَاضِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ مَعَ قَطْعِهَا مَثَلًا وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي الْأَوْلَى وَإِنْ قَلَّتْ مَسَافَةُ الِارْتِفَاعِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْإِدْرَاكُ مَعَ قَطْعِهَا، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت: يُشْتَرَطُ فِي الْوُجُوبِ فِي الثَّانِيَةِ إمْكَانُ الْإِدْرَاكِ وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ فِيهَا. قُلْت: فَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْأُولَى عَدَمُ إمْكَانِ الْإِدْرَاكِ وَإِلَّا ثَبَتَ الْوُجُوبُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِاسْتِوَائِهِمَا عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى، وَإِمَّا أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْوُجُوبِ فِي الثَّانِيَةِ فَهَذَا مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ شَيْخَنَا الشِّهَابَ الرَّمْلِيَّ اقْتَصَرَ فِي فَتَاوِيهِ عَلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بَقَرِيَّةٍ أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ حَرُمَ عَلَيْهِمْ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ قَصْدُهُمْ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمِصْرِ عُذْرًا فِي تَرْكِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي بَلْدَتِهِمْ إلَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَسَادُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ احْتَاجُوا إلَى مَا يَصْرِفُونَهُ فِي نَفَقَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الضَّرُورِيَّةِ وَلَا يُكَلَّفُونَ الِاقْتِرَاضَ (قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْجُمُعَةُ بِفِعْلِهَا) أَيْ فِي الْمِصْرِ (قَوْلُهُ: فَحَضَرَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ إلَخْ) أَيْ بِقَصْدِهَا بِأَنْ تَوَجَّهُوا إلَيْهَا بِنِيَّتِهَا وَلَمْ يُدْرِكُوهَا، وَأَمَّا لَوْ حَضَرُوا لِبَيْعِ أَسْبَابِهِمْ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الْحُضُورُ سَوَاءٌ رَجَعُوا إلَى مَحَلِّهِمْ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ صَلَاتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ دَخَلَ عَقِبَ سَلَامِهِمْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا الْعِيدَ ثُمَّ تَشَاغَلُوا بِأَسْبَابٍ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الِانْصِرَافُ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الِانْصِرَافُ حِينَئِذٍ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ)
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ وَإِنْ قَرُبُوا مِنْهَا وَسَمِعُوا النِّدَاءَ) أَيْ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا فَالصُّورَةُ أَنَّهُمْ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ (قَوْلُهُ: عَقِبَ سَلَامِهِمْ) تَصْوِيرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute